رَهْنًا عِنْدَهُ وَيَكُونُ دَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا عُرِفَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقُلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي يَهْلِكُ أَمَانَةً عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَفِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ وَفِي الزِّيَادَةِ إنْ كَانَ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقُلْبِ ثَمَانِيَةً فَتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عِنْدَهُ لِمَا عُرِفَ وَعِنْدَهُمَا الْكُلَّ لِمَا عُرِفَ رَهَنَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِيضًا لَهَا صَرْفٌ وَفَضْلٌ بِعَشَرَةٍ سُودٍ تَهْلِكُ بِالسُّودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ سُودًا فَقَدْ ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ.
[فَصْلٌ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ بِكُرٍّ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيمَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ]
(فَصْلٌ)
ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ بِكُرٍّ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيمَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ رَهْنِ قُلْبٍ وَزْنُهُ عَشْرَةٌ بِدِينَارٍ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فَانْكَسَرَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَثَمَّةَ يَغْرَمُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالْقُلْبُ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُتْرَكُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَفِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي تِسْعَةً فَرَهَنَهُ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ تِسْعَةً مِنْ الدَّيْنِ بِإِزَاءِ الْفَصِّ وَدِرْهَمًا بِإِزَاءِ الْحَلْقَةِ فَتَسْقُطُ تِسْعَةٌ بِهَلَاكِ الْفَصِّ وَسَقَطَ دِرْهَمٌ بِهَلَاكِ الْحَلْقَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَهُمَا فِي الْوَزْنِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَةَ وَالدَّيْنَ بِمُقَابَلَتِهِ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةٌ بِهَلَاكِ الْفَصِّ وَلِلْمُرْتَهِنِ خِيَارٌ فِي الْحَلْقَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا وَهَاهُنَا إذَا كَانَ بِالْوَزْنِ وَفَاءٌ فَلَا وَفَاءَ لِلْقِيمَةِ.
وَلَوْ هَلَكَ بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِتَضَرُّرِ الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ كَمَا إذَا رَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشْرَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ، وَقَدْ هَلَكَ يُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَهُمَا فَكَذَا هَذَا رَهَنَهُ قُلْبَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِالْعَشَرَةِ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ بِالْخَطَرِ، وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يُعَلَّقُ الرَّهْنُ بِالْخَطَرِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا وَالرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ارْتَهَنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فُلُوسًا تُسَاوِيهَا فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِمَا فِيهَا، وَإِنْ انْكَسَرَتْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْزُونَةً بَلْ هِيَ عَدَدِيَّةٌ وَالْجُودَةُ مُتَقَوِّمَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ فُلُوسًا فَانْكَسَرَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَا يُخَيِّرُ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُ الدَّيْنِ بِسَبَبِ فَوْتِ الْجُودَةِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بِخِلَافِ الْقُلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالِانْكِسَارِ إذَا بَقِيَ الْوَزْنُ عَلَى حَالِهِ فَوَجَبَ تَخْيِيرُ الرَّاهِنِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَإِنْ كَسَدَتْ فَالدَّيْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ بِالْكَسَادِ لَا الْجُودَةِ وَلَا الْعَيْنِ إنَّمَا تَغَيُّرُ السِّعْرِ وَتَغَيُّرُ السُّعْرِ لَا عِبْرَةَ بِهِ ارْتَهَنَ طَسْتًا بِدَرَاهِمَ وَفِيهِ وَفَاءٌ وَفَضْلٌ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُوزَنُ نَقْصٌ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ لِلْجُودَةِ قِيمَةَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا وَمَا كَانَ يُوزَنُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَكْسُورًا وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ الْقِيمَةَ وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتْرَكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْقُلْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مَفْسَدَةٌ لِلْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ، فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُلَايَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنُ لِلْجَهَالَةِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لَعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute