أَنَّهُ يَمْلِكُ بَعْثَ مَالِ الْغَائِبِ إلَيْهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ وَلَهُ نَصْبُ وَكِيلٍ فِي جَمْعِ غَلَّاتِ الْمَفْقُودِ طَلَبَ الْوَارِثُ أَوْ لَا، لَهُ إيفَاءُ دُيُونِ الْغَائِبِ بِمَالِهِ بِالْحِصَصِ وَبَيْعُ مَالِهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ دَيْنُهُ ثَابِتًا عِنْدَهُ، وَلَهُ الْإِرْسَالُ خَلْفَ مَنْ نَسَبَ إلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ الثَّلَاثَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ الْمَرْأَةُ الْكُلُّ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ نَوْعٍ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي.
قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِ الْغَائِبِ وَلَهُ الْإِذْنُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَالِ الْغَائِبِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَصْلِهِ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّفَقَاتِ، وَلَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَطَعَامٍ كَثِيرٍ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ الْإِذْنُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ بَاعَهُ مَالِكُهُ لِرَجُلٍ وَغَابَ الْمُشْتَرِي لِيَأْخُذَ ثَمَنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَلَهُ الْإِذْنُ بِإِجَارَتِهَا وَعَلْفُهَا مِنْ أُجْرَتِهَا، وَلَهُ الْإِذْنُ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ لَوْ كَانَ مَالِكُهَا غَائِبًا وَلَوْ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ حَضَرَ مَالِكُهَا كَانَ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ ثَمَنُهَا، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَقِنُّهُمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَ غَائِبٍ مِنْ مَحْبُوسِهِ، وَلَهُ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَهُ إطْلَاقُ مَحْبُوسِهِ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ الْإِذْنُ بِبَيْعِ وَدِيعَةٍ خِيفَ فَسَادُهَا وَرَبُّهَا غَائِبٌ كَصُوفٍ، وَلَهُ بَيْعُ دَارِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ وَارِثٌ وَإِذَا عُلِمَ جَازَ أَيْضًا حِفْظًا، وَلَهُ بَيْعُ الْآبِقِ وَلَهُ إجَارَةُ بَيْعِ بَيْتِ الْمَفْقُودِ لَوْ خِيفَ خَرَابُهُ لَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَلَهُ قَبْضُ الْمَغْصُوبِ الْغَائِبِ مِنْ غَاصِبِهِ، وَلَهُ أَخْذُ وَدِيعَةِ الْمَفْقُودِ وَإِيدَاعُهَا عِنْدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ اهـ.
مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُلَخَّصًا، وَأَمَّا إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَيَمْلِكُهَا الْقَاضِي إنْ كَانَتْ فِي مَنْشُورِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ جُمْلَةَ الْمَشَايِخِ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ الْقَضَاءِ، وَلَهُ النَّظَرُ فِي الطَّرِيقِ فَيَمْنَعُ مُتَعَدِّيًا فِيهَا بِبِنَاءٍ وَإِشْرَاعِ جُنَاحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَهُ نَصْبُ الْقَسَّامِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَلَهُ نَصْبُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نَصْبِهِ لِلْمُحْتَسِبِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ أَحَدًا، وَأَمَّا نَصْبُ الْعَاشِرِ وَالْجَابِي لِلزَّكَوَاتِ فَإِلَى الْإِمَامِ كَأَخْذِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَسْأَلُ الْقَضَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» أَيْ يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحْرَمُ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ، وَعَلَّلَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأُخْرَى بِأَنَّ فِي طَلَبِ الْقَضَاءِ إذْلَالًا وَإِهَانَةً بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُعْرَضٍ مُهَانٌ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ مَنْعَ الْعَالِمِ مِنْ السُّؤَالِ مُطْلَقًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَقَدْ جَمَعَ الْقُدُورِيُّ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ طَلَبِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ سُؤَالِهِ فَفَهِمَ الشَّارِحُونَ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ الطَّلَبُ بِالْقَلْبِ وَالسُّؤَالُ بِاللِّسَانِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ وَلِّنِي، وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ بَلْدَةِ كَذَا لَأَجَبْتُهُ إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ اهـ.
وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ السُّؤَالِ أَيْ تَحْرِيمًا أَيْ لَا يَحِلُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَيْسَ النَّهْيُ عَنْ السُّؤَالِ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ أَمَّا إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ طَلَبَهُ لِحَامِلِ الذِّكْرِ لِيَنْشُرَ الْعِلْمَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُوَلِّ إلَّا بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ، وَكَذَا لَمْ أَرَ
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّهُ يَمْلِكُ بَعْثَ مَالِ الْغَائِبِ إلَيْهِ إلَخْ) ، هَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ مَالَ الْغَائِبِ إلَى الْغَائِبِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ الْوَالِدُ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ خَانِيَّةٌ فِي فَصْلِ مَنْ يَقْضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَيَمْلِكُهَا الْقَاضِي إنْ كَانَتْ فِي مَنْشُورِهِ) قُلْتُ: وَفِي زَمَانِنَا يُؤْذِنُ الْقَاضِي بِنَصْبِ الْخَطِيبِ إذَا مَاتَ خَطِيبُ الْجَامِعِ، وَيَكْتُبُ إلَى السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ لِيُقَرِّرَهُ فِيهَا، وَلَيْسَ مَأْذُونًا فِي نَصْبِ الْخَطِيبِ ابْتِدَاءً هَكَذَا أَخْبَرَنِي تَرْجُمَانُ الْقَاضِي لِحَادِثَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ كُنْت مَرَّةً فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ مَاتَ الْخَطِيبُ، وَكَانَ نَائِبًا عَنْ رَجُلٍ فَخَرَجَ الْأَصِيلُ لِيَخْطُبَ وَكَانَ حَدِيثَ السِّنِّ وَالْقَاضِي حَاضِرٌ فِي الْجَامِعِ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَهُ مِنْ الْمِنْبَرِ وَأَخْرَجَ نَائِبَ الْقَاضِي فَخَطَبَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى وَضَجَّ النَّاسُ وَصَارُوا يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْجُمُعَةَ لَمْ تَصِحَّ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ الْخَطِيبُ لِنَائِبِ الْقَاضِي فَلَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ كَانَ مَأْذُونًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[طَلَبَ الْقَضَاءَ]
(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يُوَلِّ إلَّا بِمَالٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي قَوْلَهُ وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا يَرُدُّهُ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ فَمَمْنُوعٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِرِيبَةٍ وَبِلَا رِيبَةٍ وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ اهـ.
نَعَمْ لَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ عَزْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ قَالَ أَبُو السُّعُودِ، وَنَظَرَ فِيهِ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ نَصًّا فِي صِحَّةِ عَزْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute