للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصَابِعَ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَالرِّجْلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

الرَّابِعَ: عَشَرَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ إرَادَةِ عَدَمِ الْغَسْلِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعِبَادَةٍ عَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ إلَّا فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ أَوْ وَسِيلَةٌ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهَا كَالتَّيَمُّمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[بَابُ الْحَيْضِ]

اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْأَنْجَاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا بَابُ الْأَنْجَاسِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ، وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَةً مَعْهُودَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ دُونَ النِّفَاسِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِدَلِيلِ التَّعْرِيفِ، وَأَفْرَدَهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدَّمَهُ لِكَثْرَةِ مُنَاسَبَتِهِ بِالْأَحْدَاثِ حَتَّى كَانَتْ الْأَحْكَامُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْأَحْدَاثِ ثَابِتَةً لَهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِصَاصُ نَوْعٍ مِنْ النَّجَسِ بِأَحْكَامٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ غَوَامِضِ الْأَبْوَابِ خُصُوصًا مِنْ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَفَارِيعِهَا وَلِهَذَا اعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ.

وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِ الْحَيْضِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمَ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّفُ إلَى ذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَقَدْرِهِ وَأَلْوَانِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُهُ السَّيَلَانُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي أَيْ سَالَ فَسُمِّيَ حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ، وَيُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمُحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ التَّاءِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا تَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ.

وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: الْخَامِسَ عَشَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَزِدْت السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لَيْسَ خَلَفًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْغَسْلِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اهـ.

وَقَدْ يُزَادُ غَيْرُهَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ فَنَقُولُ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُتْرَكُ إنْ ضَرَّ، وَإِلَّا لَا بِخِلَافِ الْخُفِّ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ نَفْسِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَسْحِهِ فَلَا مَسْحَ عَلَيْهَا التَّاسِعَ عَشَرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِبُرْءِ مَوْضِعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ الْعِشْرُونَ أَنَّهُ يَبْطُلُ سُقُوطُهَا عَنْ بُرْءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِسُقُوطِهِ بِلَا شَرْطٍ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ إنْ مَسَحَ جَبِيرَةَ رَجُلٍ يَجْمَعُ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفِّ.

الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْخُفِّ.

الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْخُفِّ.

الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا غَمَسَ الْجَبِيرَةَ فِي إنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَأَفْسَدَ الْمَاءَ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَكَذَا الرَّأْسُ فَلَا يَفْسُدُ وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا الْحَقَائِقِ وَالْفِرَقِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَسْحَ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ فَكَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْمُنْتَقَى اهـ.

قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ لَوْ كَانَتْ عَلَى رِجْلِهِ وَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَيَخَافُ إنْ غَسَلَهَا أَنْ تَسْقُطَ مِنْ الْبَرْدِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ الْحَيْضِ) .

(قَوْلُهُ: وَضَرَرُ الْجَهْلِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ مَسَائِلَ الْحَيْضِ رُبَّمَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَتَأْتِي بِهِمَا فِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّرْكِ وَكِلَاهُمَا أَمْرٌ حَرَامٌ وَضَرَرٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ ضَرَرَ هَذَا الْجَهْلِ يَخْتَصُّ وَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ الْجَهْلِ فِيمَا سِوَاهُ، أَمَّا الْمُخْتَصُّ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَهُوَ غَشَيَانُ الرَّجُلِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالِاعْتِقَادُ بِحِلِّهِ كُفْرٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَيْ مُسْتَحِلًّا وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَبِهَا مِنْ الْجِهَازِ الْعَظِيمِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى فَلِمَا زُفَّتْ إلَيْهِ وَدَخَلَ هُوَ مَعَهَا فِي الْفِرَاشِ وَهَمَّ بِهَا دَمِيَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت مِنْك خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اهـ.

فَوَائِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>