وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الذَّبْحِ بِعَيْنِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَاهَدُ الْمُعَايَنُ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً لِجَرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَكَذَا «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ فَإِذَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْصِيلًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ: إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا إذَا خَنَقَهُ الْكَلْبُ.
وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَلِمَا بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْجَرْحِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الدَّمِ وَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عَمْدًا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأُسَمِّي قَالَ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ غَيْرَهُ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَكْلِ الْكَلْبِ الصَّيْدُ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ فَيَغْلِبُ فِيهِ جِهَةُ الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَإِنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ، وَالْحَلَالَ جَائِزُ التَّرْكِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجَرْحِهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجَرْحِ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا انْفَرَدَ بِالْجَرْحِ وَالْأَخْذِ غُلِّبَ جَانِبُ الْحِلِّ فَصَارَ حَلَالًا، وَأَوْجَبَ إعَانَةُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الْكَرَاهَةَ دُونَ الْحُرْمَةِ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ نَفْسُهُ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَيْهِ لَكِنَّ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْأَوَّلِ حَتَّى ازْدَادَ طَلَبًا وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّيْدِ فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَلَوْ رَدَّهُ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّمَ فَيُصَادَ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ فِيمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ.
وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ أَوْ رَمَاهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحِلِّ لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِوَقْتِ الْإِصَابَةِ وَفِي حَقِّ الْأَكْلِ لِوَقْتِ الرَّمْيِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلِهَذَا قُلْنَا: الْمُسْلِمُ إذَا رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ ثُمَّ ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ حَلَّ تَنَاوُلُهُ وَالْمُرْتَدُّ إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ.
[أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ، وَبِالِانْزِجَارِ يَحْصُلُ زِيَادَةُ الطَّلَبِ لِلصَّيْدِ كَذَا فِي الْهِدَايَة وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ إلَى آخِرِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا زَجَرَهُ فِي حَالِ طَلَبِهِ أَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَانْزَجَرَ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّيْدِ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا زَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَهَابِهِ أَمَّا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ ثُمَّ زَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ فَانْزَجَرَ لَا يُؤْكَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ إرْسَالَ الْمُسْلِمِ قَدْ صَحَّ، وَصَيْحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْوِيَةٌ لِلْإِرْسَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute