لِلصُّورَتَيْنِ فِيمَا إذَا وُجِدَ افْتِرَاقُهُ فِي الْحُكْمِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ فَأَنْهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً أَوْ رَمَى صَاحِبُهُ بِهَا إلَيْهِ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ وَلَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ اهـ.
ثُمَّ الْإِرْسَالُ عَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ عَلَى صَيْدٍ وَلَوْ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْأَهْلِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَا يَكُونُ ذَكَاةً شَرْعًا وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ سَمِعَ حِسًّا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ أَوْ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِرْسَالِ وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ رَمَى ظَبْيًا أَوْ طَيْرًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ وَذَهَبَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ أَوْ مُسْتَأْنِسٌ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ التَّوَحُّشُ فَتَمَسَّكُوا بِالْأَصْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ ظَنَّ حِينَ رَآهُ أَنَّهُ صَيْدٌ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ يَحِلُّ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدَنَا صَيْدٌ بِحُكْمِ الْأَصْلِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَيْدٍ وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ نَادٍّ أَوْ غَيْرِ نَادٍّ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ نَادٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَعِيرِ الْأُلْفَةُ وَالِاسْتِئْنَاسُ وَلَوْ رَمَى إلَى ظَبْيٍ مَرْبُوطٍ وَظَنَّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ ظَبْيًا آخَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ مُوثَقٍ فِي يَدِهِ فَصَادَفَ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ أَرْسَلَ فَهْدًا عَلَى فِيلٍ، وَأَصَابَ ظَبْيًا لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ رَمَى سَمَكًا أَوْ جَرَادًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ صَيْدٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ بَاقِيًا كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِرْسَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ بَوْلٌ وَلَا أَكْلٌ فَإِنْ وُجِدَ وَطَالَ قَطَعَ الْإِرْسَالَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ حَبَسَ الْكَلْبَ عَلَى صَدْرِ الصَّيْدِ طَوِيلًا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ آخَرَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْكَلْبِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، وَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ، وَالْبَازُ وَالسَّهْمُ فِي هَذَا كَالْكَلْبِ وَفِي الْمُحِيطِ فَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِالذَّبْحِ قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ لِفَقْدِ الْآلَةِ وَضِيقِ الْوَقْتِ بِأَنْ كَانَ فِي آخِرِ الرَّمَقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمَكُّنِ كَمَا ذَكَرْنَا يَحِلُّ وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَخْذِهِ أُكِلَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الذَّبْحِ، وَالتَّمَكُّنَ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكِّهِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ يَقُدَّ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا فَيَكُونُ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ، وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute