للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ امْرَأَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْعَاقِلَةُ بَرَاءٌ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ الْمُوضِحَتَيْنِ فَعَلَى الْآخَرِ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْأَوَّلِ بَعْدَ مَا شَجَّهُ الْآخَرُ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ فَقَدْ اسْتَحْسَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَ شَجَّهُ بَعْدَ صُلْحِ الْأَوَّلِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا وَصَالَحَهُ عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ شَجَّهُ آخَرُ خَطَأً وَمَاتَ مِنْهَا فَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّتَانِ عَمْدًا جَازَ إعْطَاءُ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ]

(فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْفَاعِلِيَّةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ حَقُّ الْأَدَاءِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا قَدَّمَ جِنَايَةَ الْعَبِيدِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ قَبْلَ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَكَذَا تَرْتِيبًا أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَ الْفَاعِلِ قَبْلَ ذَاتِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَاتِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ وُجُودِ ذَاتِ الْفَاعِلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مَثَلًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَعُمْرُ الْجَانِي عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ أُرِيدَ فَاعِلِيَّةُ الْفَاعِلِ قَبْلَ مَفْعُولِيَّةِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَاعِلِيَّةَ وَالْمَفْعُولِيَّةَ يُوجَدَانِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْمَفْعُولِ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَقَبْل ذَلِكَ لَا يَتَّصِفُ الْفَاعِلُ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَلَا الْمَفْعُولُ بِالْمَفْعُولِيَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ خَافٍ عَلَى الْعَارِفِ الْفَطِنِ بِالْقَوَاعِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قُتِلَ خَطَأً تَجِبُ قِيمَتُهُ وَنُقِصَ عَشَرَةً لَوْ كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْأَمَةِ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَفِي الْمَغْصُوبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) .

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقِنِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ لَكَانَ لِلْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ.

وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى عَقْدُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا فِي حَالِ قِيَامِهِ أَوْ هَلَاكِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَالْغَصْبِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ وَضَمَانَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ لَا يُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّقْرِيرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ وَكَذَا إنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ لِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ وَهَذَا حِفْظِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْهُ لَا قِصَاصَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: ٩٢] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا.

فَكَذَا فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مُكَلَّفًا وَلَوْلَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَكَانَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أَعْلَاهُمَا وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى وَهِيَ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَسْبَقُ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنْكَافِ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ.

فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْقَتْلِ آدَمِيًّا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ إتْلَافِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِي الْعَكْسِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَالْجَمَادِ وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَصْبِ وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لَهَا إذْ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْمَالِ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ لَا يَعْتَمِدُ الْمَالِيَّةَ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>