للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْجِدِ لِيَؤُمَّ فِيهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامَةِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ لَمْ يُوجَدْ وَيَسْتَحِقُّ الْأَصِيلُ الْكُلَّ إنْ عَمِلَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَسَكَتَ عَمَّا يُعَيِّنُهُ الْأَصِيلُ لِلنَّائِبِ كُلَّ شَهْرٍ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ النَّائِبُ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَقَدْ وَفَّى الْعَمَلَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ الْأَصِيلُ وَعَمِلَ النَّائِبُ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ شَاغِرَةً وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَعَمَلُ النَّاسِ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَاتِ فِي الْوَظَائِفِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَاغِرَةً مَعَ وُجُودِ النِّيَابَةِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ وَظِيفَتُهُ شَاغِرَةً وَتَصِحُّ النِّيَابَةُ وَمِمَّا يَرِدُ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ الْخَصَّافَ صَرَّحَ بِأَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِنْ مَعْلُومِهِ شَيْئًا وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِأَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ بِالْأُجْرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَاَلَّذِي تَحَرَّرَ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلنَّاظِرِ قَطْعُ مَعْلُومِ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ بِقَوْلِ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَحْدَهُ مَعَ دَعْوَى الْمُسْتَحِقِّ حُضُورَهُ.

قُلْتُ: لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا لِأَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِقَوْلِ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَحْدَهُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِكَاتِبِ الْغَيْبَةِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ غَيْبَتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ الْغَيْبَةَ لِعُذْرٍ لَا تُوجِبُ الْحِرْمَانَ وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَظَائِفِ فِي بَيَانِ تَصَرُّفَاتِ النَّاظِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَأَنَّ لَهُ عَزْلَ الْمُتَوَلِّي وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ لَا يَكُونُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِالشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَصَبَ الْوَاقِفُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أُمُورِ الْوَاقِفِ شَيْئًا تَكُونُ وِلَايَةُ الْوَقْفِ إلَى الْوَصِيِّ وَلَوْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي أَمْرِ الْوَقْفِ فَقَطْ كَانَ وَصِيًّا فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ.

وَلَيْسَ لِأَحَدِ النَّاظِرِينَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ

ــ

[منحة الخالق]

وَمَا فِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ حَمَلَهُ الشَّيْخُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّرْكُ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةٍ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَوْلِهِ يُسَامَحُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أُسْبُوعًا إلَخْ إذْ لَيْسَ فِي الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بَعْدَ الْعِبَارَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْهُ آنِفًا مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ مُفْتِي الرُّومِ مَوْلَانَا الْعَلَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الِاسْتِنَابَةِ فَأَجَابَ الِاسْتِنَابَةُ إنْ كَانَتْ فِيمَا لَا يَقْبَلُهَا أَصْلًا كَطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِقْرَائِهِ فَلَا يُشْتَبَهُ بُطْلَانُهَا عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا يَقْبَلُهَا كَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَنَظَائِرِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَكَانَ النَّائِبُ فِي إقَامَةِ الْخَدَمِ مِثْلَ الْأَصْلِ وَخَيْرًا مِنْهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ إلَى أَنْ يَزُولَ مَا اعْتَرَاهُ مِنْ الْعُذْرِ خَلَا أَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلْأَصِيلِ مَعَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ النَّائِبُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَرِضًا كَامِلٍ لَا يَحُومُ حَوْلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَوْفِ وَالْحَيَاءِ وَهَيْهَاتَ اهـ.

وَأَفْتَى شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْقَاضِي عَلِيُّ بْنُ جَارِ اللَّهِ الْحَنَفِيُّ بِجَوَازِ النِّيَابَةِ بِشَرْطِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ أَقُولُ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ مَوْلَانَا أَبُو السُّعُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

كَلَامُ الْبِيرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَأَمَّلْ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ (قَوْلُهُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَتَأْتِي أَيْضًا مَسْأَلَةُ تَوْكِيلِ الْقَيِّمِ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ. اهـ.

وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ حَاصِلِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَالْمَسْأَلَةُ وُضِعَ فِيهَا رَسَائِلُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَخُصُوصًا مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعْلُومِ لِلْمُسْتَنِيبِ وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ إلَّا الْأُجْرَةُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُ بِهَا فِي مُدَّةِ إنَابَتِهِ عَنْهُ لَا غَيْرُ وَاسْتِحْقَاقُهُ الْأُجْرَةَ لِكَوْنِهِ وَفَّى الْعَمَلَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ فِيهَا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا لِأَصْحَابِنَا إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ أَنْكَرَ مُلَازَمَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَرِّسِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي الْمُبَاشَرَةِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْعِشْرِينَ.

[النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ فِي الْوَقْف]

(قَوْلُهُ قَدَّمْنَا) أَيْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَجُوزُ) قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ إمَّا لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَ هَذِهِ مِنْهَا وَإِمَّا لِأَنَّ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بَحَثَ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>