الْكُفْرُ.
(قَوْلُهُ: وَبَانَتْ لَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا) لِأَنَّ رِدَّةَ الْآخَرِ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَيُعْلَمُ بِهِ حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِالْأَوْلَى وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَ هِيَ فَلَهَا النِّصْفُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مُطْلَقًا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ إنْ أَسْلَمَ وَمَاتَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ مُرْتَدًّا وَرِثَتْهُ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: تَزَوَّجَ صَبِيَّةً لَهَا أَبَوَانِ مُسْلِمَانِ فَارْتَدَّا مَعًا تَبِنْ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَتَبَعًا لِلدَّارِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ، وَالْمُجَاوَرَةِ وَلِهَذَا اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَوْ أُدْخِلَتْ صَغِيرَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ مَعَهَا أَبَوَاهَا فَمَاتَتْ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَتَبَعِيَّةُ الدَّارِ هُنَا قَائِمَةٌ فَبَقِيَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنْ لَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الدَّارِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارِنَا مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآخَرُ وَلَحِقَ بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَبِنْ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ حُكْمٌ تَنَاهَى بِالْمَوْتِ مُسْلِمًا وَكَذَا بِالْمَوْتِ مُرْتَدًّا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّةً نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ تَمَجَّسَ أَبُوهَا وَقَدْ مَاتَتْ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً لَمْ تَبِنْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْوَالِدَيْنِ دِينًا فَبَقِيَتْ عَلَى دِينِ الْأُمِّ وَلَوْ تَمَجَّسَ أَبَوَاهَا بَانَتْ وَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ هُنَا تَبَعًا لِلدَّارِ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُثْبِتُ التَّبَعِيَّةَ ابْتِدَاءً مَا دَامَتْ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ قَائِمَةً فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةٌ مُسْلِمَةٌ ثُمَّ جَنَتْ ثُمَّ ارْتَدَّ أَبُوهَا لَمْ تَبِنْ، وَإِنْ لَحِقَ بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَصْلًا لَا تَبَعًا وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ الْعَاقِلَةُ لَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَصْلًا فِي الْإِسْلَامِ اهـ.
وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى مَسْأَلَةُ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ وَحُكْمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ أَوْ فِي عَقْدَيْنِ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ سَبْقُهُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ الْجَمْعُ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ، الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ مَا إذَا بَلَغَتْ الْمُسْلِمَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهَا تَبِينُ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ الْقَسْمِ) بَيَانٌ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَأَخَّرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ، وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْقَسْمُ الْعَطَاءُ وَلَا يُجْمَعُ، وَالرَّأْيُ، وَالشَّكُّ، وَالْغَيْثُ، وَالْمَاءُ، وَالْقَدْرُ وَهَذَا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ بِالْفَتْحِ إذَا أُرِيدَ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ إذَا أُرِيدَ النَّصِيبُ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَمَجَّسَ أَبَوَاهَا بَانَتْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ تَمَجَّسَا أَوْ ارْتَدَّا تَأَمُّلٌ، فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ.
قُلْت الْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبِنْتَ بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهَا الْمُسْلِمَيْنِ تَبْقَى مُسْلِمَةً تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلدَّارِ، وَالْمُرْتَدُّ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ تَمَجُّسِ أَبَوَيْهَا النَّصْرَانِيِّينَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُمَا فِي التَّمَجُّسِ وَلَا يُمْكِنُ تَبَعِيَّتُهَا لِلدَّارِ مَعَ بَقَاءِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ارْتَدَّا لِلْأَبَوَيْنِ النَّصْرَانِيِّينَ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً صَغِيرَةً وَلَهَا أَبَوَانِ نَصْرَانِيَّانِ فَكَبِرَتْ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ دِينًا مِنْ الْأَدْيَانِ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا، مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا تَعْقِلُ دِينًا بِقَلْبِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَصِفُهُ لَا تَعْرِفُهُ بِاللِّسَانِ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ إذَا بَلَغَتْ عَاقِلَةً وَلَا تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّى هَذِهِ فِي الْكِتَابِ مُرْتَدَّةً، وَفِي الْكَافِي وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ عِنْدَهَا وَيُقَالُ لَهَا هُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَتْ فَعَرَفَتْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَعْرِفُ الْإِسْلَامَ وَأَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ إلَّا أَنِّي لَا أَصِفُهُ هَلْ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا قَالَتْ: أَنَا أَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَأَعْرِفُهُ لَكِنْ لَا أَقْدِرُ عَلَى الْوَصْفِ هَلْ تَبِينُ قِيلَ يَجِبُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ هَاتَانِ اللَّتَانِ بَلَغَتَا قَدْ عَقَلَتَا الْإِسْلَامَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَا وَلَكِنْ لَمْ يَصِفَا ذَلِكَ وَلَا غَيْرَهُ لَمْ تَبِنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَقَ قَلْبُهُ كَانَ مُسْلِمًا وَأَنْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ وَعَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا بَلْ الْإِقْرَارُ شَرْطٌ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمَا عَقَلَتَا الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَمْ تَصِفَا ذَلِكَ فَلَا يَبِينَانِ أَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا.
[بَابُ الْقَسْمِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute