فِي هَذَا التَّسْبِيبِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ الْغَرَامَةِ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ السِّعَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي حَقِّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَعِدَ السَّطْحَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ الدِّيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الصُّعُودِ لِلْفِرَارِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْفِرَارَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ. اهـ.
وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا تَعْرِيفَ السِّيَاسَةِ قَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي الْخُطَطِ يُقَالُ سَاسَ الْأَمْرَ سِيَاسَةً بِمَعْنَى قَامَ بِهِ وَهُوَ سَائِسٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَاسَهُ وَسَوَّسَهُ الْقَوْمُ جَعَلُوهُ يَسُوسُهُمْ، وَالسَّوْسُ الطَّبْعُ، وَالْخُلُقُ يُقَالُ الْفَصَاحَةُ مِنْ سَوْسِهِ، وَالْكَرَمُ مِنْ سَوْسِهِ أَيْ مِنْ طَبْعِهِ فَهَذَا أَصْلُ وَضْعِ السِّيَاسَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ رُسِمَتْ بِأَنَّهَا الْقَانُونُ الْمَوْضُوعُ لِرِعَايَةِ الْآدَابِ، وَالْمَصَالِحِ وَانْتِظَامِ الْأَمْوَالِ، وَالسِّيَاسَةُ نَوْعَانِ سِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ الْفَاجِرِ فَهِيَ مِنْ الشَّرِيعَةِ عِلْمُهَا مِنْ عِلْمِهَا وَجَهْلُهَا مِنْ جَهْلِهَا، وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُتُبًا مُتَعَدِّدَةً، وَالنَّوْعُ الْآخَرُ سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي عِنْدَ ذِكْرِ جُيُوشِ الدَّوْلَةِ التُّرْكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(كِتَابُ السِّيَرِ)
مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُدُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَقَدَّمَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْجِهَادُ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْكُفَّارِ وَهَذَا الْكِتَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّيَرِ، وَالْجِهَادِ، وَالْمَغَازِي فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فُعَّلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ وَقَالُوا: السِّيَرُ الْكَبِيرُ فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطًّا كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعُ الْكَبِيرِ وَالْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ، وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ بِالنَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَوْت الْعَدُوَّ وَقَصَدْته لِلْقِتَالِ غَزْوًا وَهِيَ الْغَزْوَةُ، وَالْغُزَاةُ، وَالْمَغْزَاةُ وَسَبَبُ الْجِهَادِ عِنْدَنَا كَوْنُهُمْ حَرْبًا عَلَيْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كُفْرُهُمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاء) مُفِيدٌ لِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ فَرْضًا وَدَلِيلُهُ الْأَوَامِرُ الْقَطْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا عُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، وَالْمَخْصُوصُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْفَرْضُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ خُرُوجَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ مِنْهَا بِالْعَقْلِ لَا يُصَيِّرُهُ ظَنًّا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَنَفْسُ النَّصِّ ابْتِدَاءً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ بِحَيْثُ يُحَارَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] الْآيَةَ فَلَمْ تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ فَظَنِّيَّةٌ لَا تُفِيدُ الِافْتِرَاضَ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ إذَا تَأَيَّدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُفِيدُ حِينَئِذٍ الْكِتَابُ، وَالْإِجْمَاعُ وَجَاءَ الْخَبَرُ عَلَى وَفْقِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنْسَخُ وَهُوَ مِنْ مَضَى فِي الْأَرْضِ مَضَاءً نَفَذَ. الثَّانِي: كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لَعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَالْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ فَرْضَ الْعَيْنِ لَكِنْ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: ٩٥] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى فَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَاسْتَحَقُّوا الْإِثْمَ، وَقَدْ صَحَّ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ وَقُعُودُهُ فِي الْبَعْضِ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ جَوَازِ الْقُعُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا تَعْرِيفَ السِّيَاسَةِ) ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ مَا نَصُّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ السِّيَاسَةَ هِيَ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَاكِمِ
لِمَصْلَحَةٍ
يَرَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ. اهـ. .
[كِتَابُ السِّيَرِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute