عَلَى نَفْسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلُّ قَيْدِهِ) يَعْنِي جَازَ قَيْدُ الْعَبْدِ احْتِرَازًا مِنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُقْنَةُ) يَعْنِي تَجُوزُ لِلتَّدَاوِي وَجَازَ أَنْ يُظْهِرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَإِذَا أَصَبْت دَوَاءً لِدَاءٍ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ إلَّا الْهَرَمَ فَإِنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ التَّدَاوِيَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَنَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ يَتَدَاوَى إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الدَّوَاءِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّوَاءِ وَهُوَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِمِثْلِ هَذَا التَّدَاوِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ كَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُونَ بِأَلْفَاظِ كُفْرٍ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ وَالتَّوَلَةُ شِرْكٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ التَّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَلَمَّا مَرِضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمَسُّ جَسَدَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَكُ مِنْ يَدِي» .
[رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِزْقُ الْقَاضِي) يَعْنِي وَحَلَّ رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَرِزْقُ الْقَاضِي مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ «وَفَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ جُمِعَ مِنْ حِلٍّ فَإِنْ جُمِعَ مِنْ حَرَامٍ وَبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِيَتَوَصَّلَ إلَى إقَامَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْكَسْبِ لَمَا تَفَرَّغَ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّةِ وَنَظَرًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ وَلِأَنَّ رِزْقُ الْقَاضِي إذَا قُطِعَ فِي زَمَانٍ يَقْطَعُ الْوِلَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ هَذَا إذَا أَعْطَوْهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَوْ أَعْطَاهُ بِالشَّرْطِ كَانَ مُعَاقَدَةً وَإِجَارَةً لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ.
وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أُجْرَةٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَكِفَايَةُ الْقُضَاةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَنَاوُلُهُ فَلَا تَكْرَارَ قَالَ الشَّارِحُ: وَتَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ وَعَيْلَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِالْإِعْطَاءِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ وَفِي زَمَانِنَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ عَنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَخَذَ الرِّزْقَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ، رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. اهـ. .
[سَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) يَعْنِي يَجُوزُ لَهُمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ الْأَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لِسَائِرِ الرِّجَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَجُوزُ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِلْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ لَوْ فِي حِجْرِهِمْ) يَعْنِي يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا لِلصَّغِيرِ وَيَبِيعُوا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لَتَضَرَّرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ فِي عِيَالِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَنَوْعٌ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَنَوْعٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا سَوَاءٌ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute