للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُصَلِّي فَهُوَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ رِوَايَةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرِوَايَةِ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبِيحُوا الْعَمَلَ الْكَثِيرَ فِي قَتْلِهَا اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ أَيْضًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِقَاءَ غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُهُ وَبَحَثَهُ بِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ لِلرُّخْصَةِ بِالنَّصِّ يَسْتَلْزِمُ مِثْلَهُ فِي عِلَاجِ الْمَارِّ إذَا كَثُرَ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَأْمُورٌ بِهِ بِالنَّصِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ عِلَاجِ الْمَارِّ هُوَ جَوَابُنَا فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ ثُمَّ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ وَقَوْلُهُمْ الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ عَلَى نَهْجِ مَا قَالُوهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا قَاتَلُوا فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَثَرُهُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ بِمُبَاشَرَةِ الْمُفْسِدِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا صَحِيحٌ اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبُرْهَانِيِّ إنَّمَا يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَافَ أَنْ تُؤْذِيَهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَقَيَّدَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ اخْتِلَافًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ أَخَذَ قَمْلَةً فِي الصَّلَاةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا لَكِنْ يَدْفِنُهَا تَحْتَ الْحَصَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا أَخَذَ قَمْلَةً أَوْ بُرْغُوثًا فَقَتَلَهُ أَوْ دَفَنَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقْتُلُهَا وَقَتْلُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دَفْنِهَا وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ.

وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ دَفْنَهُمَا مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ فَضْلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الدَّفْنِ عِنْدَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمَا لَهُ بِالْأَذَى، وَأَمَّا عِنْدَ تَعَرُّضِهِمَا لَهُ بِالْأَذَى فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِالْأَخْذِ وَالْقَتْلِ أَوْ الدَّفْنِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ دَفْنِهَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْقَمْلَ وَالْبَرَاغِيثَ فِي الصَّلَاةِ وَلَعَلَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا اخْتَارَ الدَّفْنَ عَلَى الْقَتْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّزَاهَةِ عَنْ إصَابَةِ دَمِهِمَا لِيَدِ الْقَاتِلِ أَوْ ثَوْبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ أَحْسَنَ الْجَائِزَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَتْلِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَطْرَحْهَا فِي الْمَسْجِدِ بِطَرِيقِ الدَّفْنِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَظْفَرُ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَدْفِنُهَا فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ مَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ أَسَاءَ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) أَيْ لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَقِبَلَهُ نِيَامٌ أَوْ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «نُهِيت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ وَالْمُحَدِّثِينَ» وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي النَّائِمِينَ عَلَى مَا إذَا خَافَ ظُهُورَ صَوْتٍ مِنْهُمْ يُضْحِكُهُ وَيُخْجِلُ النَّائِمَ إذَا انْتَبَهَ وَفِي الْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُمْ أَصْوَاتٌ يَخَافُ مِنْهَا التَّغْلِيطَ أَوْ شَغْلَ الْبَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذَا ثُمَّ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي النَّائِمِينَ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ كُلَّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ» وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَتَحَدَّثُ لِيُفِيدَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يَتَحَدَّثُ بِالْأَوْلَى وَلَعَلَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُهُ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَارِيَةً يَقُولُ لِنَافِعٍ وَلِّ ظَهْرَك وَأَفَادَ كَلَامُهُمْ هُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمُتَحَدِّثِ وَلِهَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ وَالْمَوَاعِظَ وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَاهُمْ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالظَّهْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَى وَجْهِ أَحَدٍ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَالِاسْتِقْبَالُ إلَى الْمُصَلِّي مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمُصَلِّيَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ

ــ

[منحة الخالق]

[قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَسَادُ إلَّا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فَسَادُهَا بِقَتْلِهَا كَمَا يُبَاحُ لِإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَتَخْلِيصِ أَحَدٍ مِنْ سَبَبِ هَلَاكٍ كَسُقُوطٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا إذَا خَافَ ضَيَاعَ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي صَحِيحٌ (قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْلَى إذَا قَرَصَهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ خُشُوعُهُ بِأَلَمِهَا وَيُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَيْ الْقَرْصِ

(قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يَتَحَدَّثُ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ وَقَوْله يَتَحَدَّثُ لِإِفَادَةِ نَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِحَضْرَةِ الْمُتَحَدِّثِينَ وَكَذَا بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا مُتَحَدِّثٍ» ضَعِيفٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>