للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أُطْلِقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ عَنْهُمَا فِي الْحَرَمِ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَصَارَ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ جَعَلَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ التَّفْصِيلِ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِمَكَّةَ عَنْهُمَا لَيْسَ بِإِحْصَارٍ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ.

(بَابُ الْفَوَاتِ)

(مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِلَا دَمٍ) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ أَرْبَعَةٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. الثَّالِثُ: لُزُومُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ. وَالرَّابِعُ: عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَصَارَ حَسَنًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ إلَى وُجُوبِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَإِلَى أَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَنْقَلِبُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ ثُمَّ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لِفَوَاتِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحْلِقُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ عُمْرَتَيْنِ، وَأَدَائِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ حَرَامًا حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَنْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ لَهَا فِي شَوَّالٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَيَشْهَدُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَوْ أَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ حَجَّتِهِ فَلَوْ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِهِ لَأَجْزَأَهُ.

وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ بَقِيَ الْأَصْلُ لَكِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْيِينُ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ مَعَ أَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَوْ صَحَّ أَدَاءُ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَغَيَّرَ مُوجِبُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْأُولَى صَحَّتْ وَبِرَفْضِ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْضِي فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إحْرَامَ الْأُولَى انْقَلَبَ لِلْعُمْرَةِ، وَهَذَا مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَعِنْدَهُ لَمَّا بَقِيَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْصَارَ بَعْدَ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحِلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْحَلْقَ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْعَتَّابِيُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ. اهـ.

وَاعْتُرِضَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فَيَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَيْ عَلَى النِّسَاءِ فَقَطْ وَيَأْبَاهُ تَرْجِيحُ الْعَتَّابِيِّ بِأَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ أَظْهَرُ إذْ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ هَذَا الْحَمْلِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ لِلتَّرْجِيحِ وَثَانِيًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ حَرَامٌ ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ قَوْلٌ مُقَابِلٌ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّقْيِيدِ، وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْجَامِعِ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ كَانَتْ أَظْهَرَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّرِيحَ أَظْهَرُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ، وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ تَطْهُرْ، وَأَرَادَ الرُّفْقَةُ الْعَوْدَ تَهْجُمُ وَتَطُوفُ حَائِضًا وَتَذْبَحُ بَدَنَةً، وَلَكِنْ لَا نُفْتِي بِالتَّهَجُّمِ فَإِنْ لَمْ تَطُفْ تَبْقَى مُحْرِمَةً أَبَدًا إلَى أَنْ تَطُوفَ، وَكَذَا الرَّجُلُ لَوْ لَمْ يَطُفْهُ.

[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

(بَابُ الْفَوَاتِ) .

(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ لُزُومُ الْقَضَاءِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ إنْ قِيلَ كَيْفَ تُوصَفُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِالْقَضَاءِ، وَلَا وَقْتَ لَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ لَا الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهَا تَضَيَّقَ وَقْتُهَا كَمَا قَالُوا فِي الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا ثُمَّ يَفْعَلُهَا فِي الْوَقْتِ فَالْحَجُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>