أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا هَلَكَ مَعَهَا لِلْمُودَعِ شَيْءٌ أَوْ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَمَانَةَ خَاصَّةٌ بِمَا لَوْ وَقَعَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِأَنَّ فِي الْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِلَافِ الثَّانِي أَنَّ الْأَمَانَةَ عَلَمٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا الْوَدِيعَةُ مَا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَنُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْكَرْدَرِيِّ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ الضَّمَانَ إنْ ضَاعَتْ ثِيَابُهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى
[لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ]
(قَوْلُهُ وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ) لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ مَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَا مَنْ يُمَوِّنُهُ فَدَخَلَ فِيهِمْ الزَّوْجَةُ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهَا إلَى زَوْجِهَا وَخَرَجَ الْأَجِيرُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ مَعَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا إلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَالزَّوْجُ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ لَا يَجِيءُ إلَيْهِمَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى زَوْجَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أَمِينَةٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ أَوْ تَرَكَهَا فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ وَذَهَبَ فَضَاعَتْ ضَمِنَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ كَوْنَ الْغَيْرِ فِي عِيَالِهِ شَرْطٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ وَالْأَبَوَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى يُشْتَرَطَ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ وَاخْتَارَ صِحَابُ النِّهَايَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ وَقَالَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى حَتَّى جَوَّزَ الدَّفْعَ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ شَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا وَفِي الْخُلَاصَةِ لِمَنْ فِي عِيَالِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَلَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى مِثْلَ الدَّارِ الْأُولَى أَوْ أَحْرَزَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) أَيْ إنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ ضَمِنَ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يُودِعُ فَإِنْ أَوْدَعَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَوَّلَ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ فَارَقَهُ ضَمِنَ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَإِنْ أَوْدَعَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْبَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالرَّدُّ إلَى عِيَالِ الْمَالِكِ كَالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ إيدَاعًا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُودِعُ إذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْزِلِ الْمُودِعِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحِفْظِ أَمَّا إذَا أَخَذَتْ لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا وَهُوَ دَفَعَ يَضْمَنُ اهـ.
وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مُودَعٌ غَابَ عَنْ بَيْتِهِ وَدَفَعَ مِفْتَاحَ الْبَيْتِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ وَبِدَفْعِ الْمِفْتَاحِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدْخُلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَى بَغْدَادَ لِيُوَصِّلَهُ إلَى رَجُلٍ فَوَجَدَ الرَّجُلَ غَائِبًا فَتَرَكَ الْأَجِيرُ الْمَحْمُولَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ لِيُوَصِّلَهَا إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ فَلَوْ وَجَدَ الرَّجُلَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ يَدْفَعُ إلَى الْقَاضِي وَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ الْقَاضِي وَهُوَ لَمْ يَدْفَعْ وَلَمْ يُجْبَرْ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان عَشَرَةُ أَشْيَاءَ إذَا مَلَكَهَا إنْسَانٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ غَيْرَهُ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إذْ لَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان عَشَرَةُ أَشْيَاءَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْعَاشِرُ الْمُسَاقِي لَا يُسَاقِي غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute