للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَتَبْت أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ اهـ.

وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ، وَالِدَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ، فَإِذَا كَانَ الْقَذْفُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالشَّتْمُ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) أَيْ بَطَلَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ عِنْدَنَا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصِدُ مِنْ شَرْعِ الزَّوَاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ، فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَالشَّافِعِيُّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لَحِقَ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مُدَّعِيًا بِهِ وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ إلَّا نِيَابَةً وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مِنْهَا الْإِرْثُ إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ وَمِنْهَا الْعَفْوُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ الْمَقْذُوفِ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجْرِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ بِالتَّقَادُمِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ إذَا اجْتَمَعَا وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ الْعَبْدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَوْفِيه دُونَ الْمَقْذُوفِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ الْقَاذِفَ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَقِيلٍ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَدْرَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْفُرُوعِ مِنْ عَدَمِ الْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْعَفْوِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَطْلَقَ بُطْلَانَهُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ فَشَمِلَ الْكُلَّ، وَالْبَعْضَ حَتَّى لَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ بَعْضَ الْحَدِّ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ لَا يُقَامُ مَا بَقِيَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَذَفَهُ حَيًّا إذْ لَوْ قَذَفَهُ مَيِّتًا فَلِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ الْمُطَالَبَةُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ.

(قَوْلُهُ: لَا بِالرُّجُوعِ، وَالْعَفْوِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْقَاذِفِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ زَمَانِنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَتَعَلَّقَ بِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْهَا الْعَفْوُ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ، وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعَفْوُ وَيُحَدُّ عِنْدَنَا اهـ.

وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ ثُمَّ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَلَكِنَّ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بِعَفْوِهِ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعَافِي لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ طَلَبِهِ وَقَدْ تَرَكَ الطَّلَبَ إلَّا إذَا عَادَ وَطَلَبَ فَحِينَئِذٍ يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ. اهـ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْرِيًّا إلَى الشَّامِلِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ. اهـ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ لَمْ يَتِمَّ الْحَدُّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ الصَّرِيحُ أَوْلَى فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا إذَا عَادَ وَطَلَبَ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ

ــ

[منحة الخالق]

[وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ]

قَوْلُهُ: وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ إلَخْ) نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَأَقَرَّهُ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّمْزِ وَالْمِنَحِ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمْ يُعَوِّلَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَمَنَعَهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَقَدْ وَجَّهَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْحَدَّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ وَالتَّعْزِيرُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَدْنَى سُقُوطُ الْأَعْلَى. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُعَاقَبُ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ فَيَبْقَى تَوَقُّفُ الْمُؤَلِّفِ وَإِبْدَاءُ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَدْفَعُهُ تَأَمَّلْ.

[وَيَبْطُلُ حَدّ الْقَذْف بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ]

(قَوْلُهُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا قَضَى إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ رَجُلٌ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَصَالَحَهُ الْقَاذِفُ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْحَدُّ. اهـ.

وَهَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ قَاضِي خَانْ إنَّمَا حَكَمَ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْحَدِّ بِالصُّلْحِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>