للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلِيُّ ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُبَالِي بِمَا يَشُوبُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَجِبُ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ وَهُوَ حَدَثُ الْعَالِمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ.

وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا وُجُوبَ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَإِذَا وُجِدَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَيَسْقُطُ فَرْضُهُ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ لِلتَّرْفِيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا فَإِذَا فَعَلَهَا تَمَّ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى قَوْلِ مَنْ حُكِمَ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوْ لِإِسْلَامِهِ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَنْقُلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خَلَدَ فِي النَّارِ ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي رِدَّتَهُ فَفِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ وَالْخِلَافُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ الْمُسَمَّى بِتَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ فِي أُصُولِ الْمَنَار مَعْزِيًّا إلَى التَّلْوِيحِ وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ كَانَ مُعَذَّبًا فِي الْآخِرَةِ مُخَلَّدًا وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَأَحَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَى التَّبْصِرَةِ.

وَإِنَّمَا لَا يُقْتَلُ إذَا أَبَى عَنْ الْإِسْلَامِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ لَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُنَا مَسَائِلُ لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ الْأُولَى هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ الَّذِي إسْلَامُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ صَارَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ الثَّالِثَةُ إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إسْلَامِهِ الرَّابِعَةُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ بِالْإِكْرَاهِ مُسْقِطَةٌ لِلْقَتْلِ وَفِي الْكُلِّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خَامِسَةٌ اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ قَيَّدَ بِالْعَاقِلِ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَإِسْلَامِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الْعَقِيدَةِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَنْ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعٌ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا إسْلَامُ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْبُغَاةِ) أَخَّرَهُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَلِبَيَانِ حُكْمِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ مَنْ بَغَى عَلَى النَّاسِ ظَلَمَ وَاعْتَدَى وَبَغَى سَعَى بِالْفَسَادِ وَمِنْهُ الْفِرْقَةُ الْبَاغِيَةُ لِأَنَّهَا عَدَلَتْ عَنْ الْقَصْدِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ إذَا تَرَامَى إلَى الْفَسَادِ وَبَغَتْ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ فَجَرَتْ فَهِيَ بَغِيٌّ وَالْجَمْعُ الْبَغَايَا وَهُوَ وَصْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ بَغِيٌّ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَاغِي الطَّالِبُ وَالْجَمْعُ بُغَاةٌ وَبُغْيَانُ وَفِئَةٌ بَاغِيَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ اهـ. فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا جَاءَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْمَزِيدِ مَا ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ التَّحْقِيقُ.

[ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي رِدَّتَهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي رِدَّةِ الْمُرَاهِقِ وَقَالَ رِدَّتُهُ لَا تَكُونُ رِدَّةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.

[بَابُ الْبُغَاةِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>