لَوْ خِيفَ الْفَوْتُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ ابْتِدَائِيًّا فَهُمَا نَظَرَا إلَى أَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَا فَوْتَ وَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيهِ عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مِنْ رَدِّ سَلَامٍ أَوْ تَهْنِئَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَتَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَتَفُوتُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْإِفْسَادِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَا عَدَا سُنَّةَ الْفَجْرِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ كَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ
وَأَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَتَيَمَّمُ، فَإِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا فَاتَتْهُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ يَقْضِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِيهَا أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: لَا لِفَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ؛ فَلِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلْفٍ، وَهُوَ الظُّهْرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ أَصْلٌ فَلَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلَّى الظُّهْرُ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ؛ فَلِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، فَإِنْ قِيلَ فَضِيلَةُ الْجُمُعَةِ وَالْوَقْتِ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُسَافِرِ التَّيَمُّمُ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ لِلرَّاكِبِ الْخَائِفِ مَعَ تَرْكِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ، وَكُلُّ هَذَا لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ قُلْنَا فَضِيلَةُ الْوَقْتِ وَالْأَدَاءِ وَصْفٌ لِلْمُؤَدَّى تَابِعٌ لَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ، فَإِنَّهَا أَصْلٌ فَيَكُونُ فَوَاتُهَا فَوَاتَ أَصْلٍ مَقْصُودٍ وَجَوَازُهَا لِلْمُسَافِرِ بِالنَّصِّ لَا لِخَوْفِ الْفَوْتِ بَلْ لِأَجْلِ أَنْ لَا تَتَضَاعَفَ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَيُحْرَجَ فِي الْقَضَاءِ وَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ لِلْخَوْفِ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا، وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي سَطْحٍ لَيْلًا وَفِي بَيْتِهِ مَاءٌ لَكِنَّهُ يَخَافُ فِي الظُّلْمَةِ إنْ دَخَلَ الْبَيْتَ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَكَذَا يَتَيَمَّمُ فِي كِلَّةٍ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ لَا خَوْفَ الْوَقْتِ فَرَّعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَوْ وَعَدَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِنَاءَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، فَكَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا وَعَدَ الْكَاسِي الْعَارِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّوْبَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) أَيْ وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ كَائِنًا فِي رَحْلِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ، وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلدَّابَّةِ وَيُقَالُ لِمَنْزِلِ الْإِنْسَانِ وَمَأْوَاهُ رَحْلٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحْلِ الْأَوَّلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الرَّحْلَ مَعْدِنُ الْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ كَمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْعُمْرَانَاتِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَضْدَادِ الْعِلْمِ وَظَنُّهُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لَا يُعْتَبَرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا إلَخْ) تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي صُورَةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا وَعَدَهُ شَخْصٌ بِالْمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَا يُدْرِكُ سِوَى الْفَرْضِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ صَلَاةِ السُّنَّةِ مَعَهَا فَهُنَا خَافَ فَوْتَ السُّنَّةِ وَحْدَهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا أَيْضًا بِمَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَأَرَادَ قَضَاءَهُمَا فَخَافَ زَوَالَ الشَّمْسِ إنْ صَلَّى السُّنَّةَ بِالْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الْفَرْضَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَكِنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى هُنَا أَنْسَبُ.
[التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ]
(قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَحْلَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ رَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلًا أَوْ رَحْلَ بَعِيرٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا) أَقُولُ: وَكَذَا فِي الشَّكِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَيْهِ الْجَوَازَ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ هَكَذَا قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا اهـ. فَتَنَبَّهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute