للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَهْرِهِ فَنَسِيَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا نَسِيَ الْمَاءَ الْمُعَلَّقَ فِي مُؤَخَّرِ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَسُوقُ دَابَّتَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ رَاكِبًا وَالْمَاءُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَاكِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَائِقًا، وَهُوَ فِي الْمُقَدَّمِ أَوْ رَاكِبًا، وَهُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدًا مُطْلَقًا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَاطَبُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ سَهْوٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَنُقِلَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ

وَالْحَقُّ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا نَصًّا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَ وَالنِّسْيَانُ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْعِلْمِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ جُعِلَ عُذْرًا عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ مَوْضِعٌ لَا عِلْمٌ أَصْلًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا عِنْدَ الْكُلِّ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ مُسَافِرٌ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَغَيْرَهَا لِأَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فِي السَّفَرِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْهَلَاكِ فَكَانَ الْقَلْبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَالْتَحَقَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْعَدَمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّحْلَ مَوْضِعُ الْمَاءِ غَالِبًا لِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْعُمْرَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِعْمَالُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ الَّذِي لَوْ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ فُقِدَتْ قُدْرَتُهُ بِفَقْدِ سَائِرِ الْآلَاتِ جَازَ تَيَمُّمُهُ فَإِذَا فُقِدَ الْعِلْمُ، وَهُوَ أَقْوَى الْآلَاتِ أَوْلَى وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ بَعْدَ مَا قَرَّرَ لِأَبِي يُوسُفَ لِثُبُوتِ الْعِلْمِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ الْكُلُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُلْحَقِ بِهَا، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ لَيْسَ إلَّا مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّحْلَ دَلِيلُ الْمَاءِ الَّذِي ثُبُوتُهُ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ أَعْنِي مَاءَ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ الشُّرْبُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الشُّرْبِ اهـ.

وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ الرَّحْلَ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ لَا لِمَاءِ الْوُضُوءِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجَسٍ نَاسِيًا الطَّاهِرَ، فَإِنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا مَعَ أَنَّ الرَّحْلَ لَيْسَ مُعَدًّا لِمَاءِ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِمَاءِ الشُّرْبِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا لَوْ نَسِيَ مَاءَ الْوُضُوءِ فَتَيَمَّمَ بِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لَا يُثْلِجُ الْخَاطِرَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ يَصِيرُ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عِنْدَهُ وَالتَّشَبُّهُ عِنْدَهُمَا بِالْمُصَلِّينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ

وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ إلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الْخَلَفِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَفَقْدُ هَذَا الشَّرْطِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فَقْدُ شَرْطِ الْخَلَفِ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ فَقْدِ شَرْطِ الْخَلَفِ وُجُودُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ فَوَاتُ الْأَصْلِ فَفَقْدُهُ بِوُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ لَكِنَّهُ نَسِيَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ قَدْ غَطَّى رَأْسَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ بِالْمَاءِ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ نَسِيَ الْمُحْدِثُ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَمِنْهَا لَوْ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا فِي لُزُومِ الْإِعَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ فِي رَحْلِهِ وَالرَّحْلُ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ مَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَصُّ مَا فِيهِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ الرَّحْلَ فِيهَا دَلِيلَ مَاءِ الِاسْتِعْمَالِ اهـ.

وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَفْظَةَ الطَّاهِرِ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ الْمُطَهِّرُ أَوْ أَرَادَ بِالطَّاهِرِ الْمَاءَ الطَّاهِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ شَرْطُهُ مَوْجُودٌ لَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ فَانْثَلَجَ الْخَاطِرُ (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَدَافُعًا؛ لِأَنَّ فَقْدَ شَرْطِ التَّيَمُّمِ هُوَ الْقُدْرَةُ وَمَعَهَا لَا يَفُوتُ الْأَصْلُ وَفِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا خَفَاءَ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَيْهِ فَإِذَا فُقِدَ هَذَا مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ صَارَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَكِبُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>