مُسْتَغْرِقًا وَلِلْوَصِيِّ وَالْغُرَمَاءِ أَنْ يَقْبِضَ مِلْكَهُمْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ لَهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ أَدَّى إلَى الْوَصِيِّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَدَفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَقَاسَمُوا جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْقَبْضِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بَعْضِهِمْ لَمْ يُعْتَقْ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الدَّفْعِ إلَى الْوَصِيِّ يُوجِبُ الْعِتْقَ وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ حَقُّهُمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِالتَّفْوِيضِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ جَازَ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَوْصَى الْمَوْلَى لِإِنْسَانٍ بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَدَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ مَجَّانًا) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً وَإِقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُعْتَقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إذَا أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَقِيلَ يُعْتَقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَ إبْرَاءً وَاسْتِيفَاءً؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تُثْبِتْ الِاقْتِضَاءَ فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي بَطَلَ الْمُقْتَضَى، وَلَوْ قَبَضَ وَاحِدٌ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبْضَ بِأَمْرِهِمْ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمْ لِلْمُكَاتَبِ نَصِيبَهُ فِي رَقَبَتِهِ جَازَ وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نَصِيبَهُ لَا يُعْتَقُ فَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ فَإِنْ عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا فَنَصِيبُ الْوَاهِبِ فِي رَقَبَتِهِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ عَادَ قِنًّا بِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كُلُّهُ مِيرَاثًا لَهُمْ مِنْ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الْمَوْلَى بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ، ثُمَّ عَجَزَ صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا لِلْمَوْلَى فَكَذَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[كِتَابُ الْوَلَاءِ]
(كِتَابُ الْوَلَاءِ) أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِبَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْمُكَاتَبِ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ إلَّا أَنْ مُوجِبَاتِ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ سَاقَتْ الْمُكَاتَبَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْأَثَرُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ دَلِيلِهِ وَالثَّالِثُ فِي سَبَبِهِ وَالرَّابِعُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَالْخَامِسُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالسَّادِسُ فِي رُكْنِهِ وَالسَّابِعُ فِي شَرْطِهِ وَالثَّامِنُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَهُوَ حُصُولُ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَسَبَبُهُ الْإِعْتَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ بِالْإِعْتَاقِ.
قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَاوَنَةِ وَالنُّصْرَةِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُصَادَقَةِ وَسُمِّيَ الْوَلِيُّ وَلِيًّا لِتَنَاصُرِهِ وَتَعَاوُنِهِ لِحَبِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَطْلُوبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّنَاصُرِ غَيْرَهُمَا لَا أَنْفُسَهُمَا إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ، بَلْ يَكُونُ أَمْرًا مُغَايِرًا لَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاصُرٍ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ اهـ.
وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُهُ أَعْتَقَهُ أَوْ مَلَكَ الْقَرِيبَ أَوْ عَقَدْت الْمُوَالَاةَ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعْتَقِ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِرْثِ وَهُوَ كَوْنُهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأَوْلَادُهُ يَكُونُوا أَهْلًا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَعْقِلَ الْجِنَايَةَ حَالَ حَيَاةِ مُعْتَقِهِ وَالْإِرْثُ مِنْهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمِلْكِ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَحْيَاءِ نَحْوَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute