الْعِتْقِ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا» قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ التَّدْبِيرِ)
بَيَانٌ لِلْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَعْدَمَا بَيَّنَ الْوَاقِعَ فِي الْحَيَاةِ وَقَدَّمَهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ لِشُمُولِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَفِقْهِيٌّ فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَدَبَّرَ فِي الْأَمْرِ نَظَرَ فِي أَدْبَارِهِ أَيْ فِي عَوَاقِبِهِ اهـ.
وَفِي ضِيَاءِ الْعُلُومِ التَّدْبِيرُ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَدْبِيرُ الْأَمْرِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا تَصِيرُ إلَيْهِ الْعَاقِبَةُ اهـ.
وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَشَرَائِطُهُ نَوْعَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ؛ فَالْعَامُّ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَرَائِطِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا، سَوَاءٌ كَانَ إلَى وَقْتٍ، أَوْ إلَى الْمِلْكِ، أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَالْخَاصُّ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَأَنْ يَكُونَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا صِفَتُهُ فَالتَّجَزُّؤُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَلَوْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَلِلْآخَرِ عِنْدَ يَسَارِ شَرِيكِهِ سِتُّ خِيَارَاتٍ: الْخَمْسَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَالتَّرْكُ عَلَى حَالِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ عَنْ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَمِنْ عِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَتَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ وَخَرَجَ أَيْضًا أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ، أَوْ بِشَهْرٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَخَرَجَ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِهِ إلَى مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ إلَيْهَا كَإِنْ مِتُّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْمُخْتَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا صُورَةً فَهُوَ مُطْلَقٌ مَعْنًى وَأَشَارَ بِالتَّعْلِيقِ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَالتَّدْبِيرُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي التَّدْبِيرِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقَ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَلِهَذَا جَازَ تَدْبِيرُ الْمُكْرَهِ وَلَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ، أَوْ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، أَوْ دَبَّرْتُك) بَيَانٌ لِبَعْضِ أَلْفَاظِهِ الصَّرِيحَةِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ، وَالْيَوْمُ هُنَا لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فَيَعْتِقُ مَاتَ الْمَوْلَى لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ فَإِنْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَوْتُهُ بِالنَّهَارِ وَرُبَّمَا يَمُوتُ بِاللَّيْلِ فَلِذَا لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ نَهَارًا وَلَهُ بَيْعُهُ وَمِثْلُ التَّعْلِيقِ بِإِذَا " مَتَى "، وَ " إنْ " وَالْحَدَثُ كَالْمَوْتِ فَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَأَنْت حُرٌّ فَهُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ، وَكَذَا الْوَفَاةُ وَالْهَلَاكُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَكَذَا أَنْت حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَ " فِي " تُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَقَوْلُ
ــ
[منحة الخالق]
[بَابُ التَّدْبِيرِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute