للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاسْتِدْعَائِهَا الْجَمَاعَاتِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لَهَا فَلَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ مَعَ التَّعَدُّدِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ جِرْبَاشَ فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لَا يُقَالُ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِاجْتِمَاعِ الْمُطْلَقِ قَوْلٌ بِالِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مِثْلِهِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُكَلَّفُ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الِاجْتِمَاعِ،

وَوُجُودُ الْأَخَصِّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَعَمِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بَلْ قَضِيَّةُ الضَّرُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] اهـ بِلَفْظِهِ مَعَ مَا لَزِمَ مِنْ فِعْلِهَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِمَا يُشَاهِدُونَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا الْفَرْضُ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَيَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَرْكِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ فِعْلِهَا مِمَّنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهِ خِفْيَةً خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةِ فِعْلِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ، وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ، وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّائِبِ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ عَمَلَ نَاحِيَةٍ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ، وَلَا تَجُوزُ الْأَنْكِحَةُ بِتَزْوِيجِهِ، وَلَا قَضَائِهِ وَدَخَلَ الْقَاضِي وَالشُّرْطِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الشُّرَطِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ اهـ.

وَفِيهَا وَالِي مِصْرٍ مَاتَ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْخَلِيفَةَ مَوْتُهُ حَتَّى مَضَتْ بِهِمْ جُمَعٌ، فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي أَجْزَأَهُمْ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي، وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَاجْتَمَعَ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ، وَلَهُ وُلَاةٌ وَأُمَرَاءُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى وِلَايَتِهِمْ يُقِيمُونَ الْجُمَعَ اهـ. وَأُطْلِقَ فِي السُّلْطَانِ فَشَمَلَ الْعَادِلَ وَالْجَائِرَ وَالْمُتَغَلِّبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمُتَغَلِّبُ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَ سِيرَتُهُ فِيمَا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ اهـ.

وَالْعِبْرَةُ لِأَهْلِيَّةِ النَّائِبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ حَتَّى لَوْ أُمِّرَ الصَّبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ وَفُوِّضَ إلَيْهِمَا الْجُمُعَةُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَا الْجُمُعَةَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَبْلَهُ النَّصْرَانِيُّ إذَا أُمِّرَ عَلَى مِصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ حَتَّى يُؤْمَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا أُمِّرَ ثُمَّ أَدْرَكَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْضَى صَبِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا اهـ.

لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْجُمُعَةِ صَرِيحًا، وَفِي الثَّانِي لَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ وَقَعَ بَاطِلًا فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرِ أَهْلِيَّتُهُ وَقْتِ الِاسْتِنَابَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ فِي مِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْهَا إلَيْهِ السُّلْطَانُ صَرِيحًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ لَهُ إقَامَتَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ كَتَوْلِيَةِ خَطِيبٍ فِي جَامِعٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأَمْصَارِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ الْمُقَرَّرَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِأَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ بِدُونِ وَاوِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ إلَخْ لَيْسَ جَوَابَهُ بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِيُخْرِجَ.

[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]

(قَوْلُهُ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ إلَّا إذَا أَذِنَ أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ إلَخْ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَكِنْ قَيَّدَ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ بِمَا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ يُشْغِلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لَكِنْ يُمْكِنُهُ إزَالَةُ عُذْرِهِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ، ثُمَّ قَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إذْ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعُذْرِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ حَيْثُ صَرَّحَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِطَابُهُ النَّائِبَ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَاهُ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ قَالَ: وَيَلْزَمُهُمَا أَنْ لَا يَصِحَّ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا نُوَّابِهِ جُمُعَةٌ، وَلَا عِيدٌ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ يُصَلِّي خَلْفَ مَأْمُورِهِ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُطْبَةِ بِنَفْسِهِ وَالصَّلَاةِ وَنَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ وَمَنَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّقِيقَةِ وَأَطَالَ فِي الْمَقَامِ بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ وَلِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>