للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِفْظُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ.

وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا حَتَّى أَخْرَجَ خَطِيبًا مِنْ وَظِيفَتِهِ بِسَبَبِ اسْتِنَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَفِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ جِرْبَاشَ أَحَدِ شُيُوخِ مَشَايِخِي إنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ فَإِذَا قَرَّرَ النَّاظِرُ خَطِيبًا فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ إقَامَتُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ وَعِبَارَتُهُ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقَّ التَّقَدُّمِ فِي إمَامَةِ الْجُمُعَةِ حَقُّ الْخَلِيفَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ هَذَا الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ الْأَمْصَارِ فَيُقَسِّمُهَا غَيْرُهُ بِنِيَابَتِهِ فَالسَّابِقُ فِي هَذِهِ النِّيَابَةِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ الْأَمِيرُ الَّذِي وَلِيَ عَلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الشُّرْطِيُّ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ الَّذِي وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ الشُّرْطِيُّ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْإِمَامُ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا بِتَقْدِيمِ أَحَدٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ، وَإِنْ قَدَّمَهُ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ يَجُوزُ وَإِذْ قَدْ عَرَفَتْ هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا لِمَجْهُولٍ لِيَقَعَ فَاسِدًا عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ فِي ذَلِكَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ بِالضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَبُرُوزُ الْإِذْنِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنْ كَانَ لِلسَّائِلِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ يَقَعُ إذْنًا لِلْمَسْئُولِ لَهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ السَّائِلِ مُعَيَّنٌ لَهُ بَلْ لِلْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّائِلَ يَجْرِي ذِكْرُهُ عِنْدَهُ بِمَا يُصَحِّحُ السُّؤَالَ لَهُ، وَهُوَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كَافٍ فِي تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ أَوْ قَرِيبًا غَائِبًا عَنْ حَضْرَتِهِ لَوْ وُصِفَ لَهُ بِأَوْصَافٍ حَمِيدَةٍ فَوَلَّاهُ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ شَخْصِهِ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ لَهُ فَمَا بَالُك بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِذْنُ أُعْطِيَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حُكْمُ الْوَالِي وَالْقَاضِي فِي صِحَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَأْذَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ سِوَى الْإِمَامِ مِنْ الْإِمَامِ وَالشَّرْطِيِّينَ وَالْقُضَاةِ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الْإِمَامِ لَهُمْ وَإِذْنُهُ الْمُحَصِّلُ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي لِاشْتِرَاطِ الْإِمَامِ فِي صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَا الْتِفَاتَ لِمُتَعَنِّتٍ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - اهـ.

كَلَامُهُ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْإِمَامُ إذَا خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ أَنْ يُجَمِّعَ بِهِمْ فَأَمَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَجَمَّعَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَصَحَّ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ فَمَلَّكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ جَمَّعَ هُوَ، وَلَمْ يَأْمُرْ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ فَاسْتَقْبَلَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى اهـ.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ نَائِبَ الْوَالِي وَهُوَ الْخَطِيبُ فَقَدْ جُوِّزَ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَدَثِ، وَلَا بِالْعُذْرِ وَجُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْوَالِي فَقَدْ جُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلْخَطِيبِ الْآخَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ مَثَلًا بَلْ يُكْتَفَى بِإِذْنِ السُّلْطَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ وَيَأْذَنُ لَهُ فَتَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ وَإِذْنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السُّلْطَانُ لِهَذَا الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الثَّانِي يَأْذَنُ لِثَالِثٍ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ صَارَ إذْنًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْخَطِيبُ الْمُقَرَّرُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَطَبَ بِالْإِذْنِ فَهَذَا الْإِذْنُ إذْنٌ لَهُ بِإِقَامَتِهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَامَتِهَا مِنْ نَائِبِهِ تَجْدِيدَ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ جِرْبَاشَ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ) مُقْتَضَى تَفْرِيعِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ إلَخْ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الدُّرَرِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ فَقَدْ جَوَّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ) لِصَاحِبِ الدُّرَرِ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا عَلِمْت

<<  <  ج: ص:  >  >>