للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اهـ.

فَقَدْ جُوِّزَ لِلْمَأْمُومِ بِإِقَامَتِهَا الِاسْتِنَابَةُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْعُذْرِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا تَقْيِيدُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ الِاسْتِخْلَافَ بِأَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَةَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مُطْلَقًا أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَأَيْضًا لَيْسَ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَذْهَبَ الْخَطِيبُ لِلْوُضُوءِ ثُمَّ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِيَكُونَ كَأَنَّ النَّائِبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَالَ لِوَاحِدٍ فِيهِمْ اُخْطُبْ، وَلَا تُصَلِّ بِهِمْ فَذَهَبَ، وَلَمْ يَجِئْ أَجْزَأَهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَيْ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ كَانَ هَذَا تَفْوِيضَ الصَّلَاةِ إلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ قُضَاةِ الْعَسَاكِرِ فِي زَمَانِنَا بِالْقَاهِرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْخَطَابَةِ، وَإِنَّمَا يُقَرِّرُ فِيهَا الْحَاكِمُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا وَلَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُقِيمُهَا إلَّا بِإِذْنٍ لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَمَّا الْيَوْمَ فَالْقَاضِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ يُجَمِّعُوا بِالنَّاسِ لَكِنْ قِيلَ أَرَادَ بِهَذَا قَاضِي الْقُضَاةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَاضِي قُضَاةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ كَأَبِي يُوسُفَ فِي وَقْتِهِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الشُّرَطِ لَا يُوَلِّيَانِ ذَلِكَ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا وَلَّى إنْسَانًا قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِلْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَبِرِوَايَةِ الْمَنْعِ يُفْتَى فِي دِيَارِنَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَمْ يَكْتُبْ فِي مَنْشُورِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا مَنَعَ أَهْلَ الْمِصْرِ أَنْ يُجَمِّعُوا لَمْ يُجَمِّعُوا كَمَا أَنَّ لَهُ يُمَصِّرَ مَوْضِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا إذَا نَهَاهُمْ مُجْتَهِدًا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ الْمِصْرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا أَمَّا إذَا نَهَاهُمْ مُتَعَنِّتًا أَوْ إضْرَارًا بِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا ثُمَّ نَفَّرَ النَّاسَ عَنْهُ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادُوا إلَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَمِّعُوا إلَّا بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّ النَّائِبَ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ نَائِبًا لَكِنْ شَرَطُوا أَنْ يَأْتِيَهُ الْكِتَابُ بِعَزْلِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ الْأَمِيرُ الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ صَلَّى صَاحِبُ شُرَطٍ جَازَ؛ لِأَنَّ عُمَّالَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يُعْزَلُوا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَاشَا بِمِصْرَ إذَا عُزِلَ فَالْخُطَبَاءُ عَلَى حَالِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الثَّانِي إلَّا إذَا عَزَلَهُمْ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلِمَ الْعَزْلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ ثُمَّ حَضَرَ وَالٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ كَرَجُلٍ أَمَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَعْمَلُ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ صَحَّ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَمِلَ حَجْرُهُ.

(قَوْلُهُ وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجُمُعَةِ مَقَامَ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ سُقُوطُ أَرْبَعٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَتُرَاعَى الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يُصَلِّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَارِجَ الْوَقْتِ فِي عُمُرِهِ وَلَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُمَا وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَسْنُونٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرَ لَيْسَ بِمَعْنَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْ يُوَلِّي الْقُضَاةَ فِي جَمِيعِ بِلَادِ السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ فَوِلَايَتُهُ عَامَّةٌ وَأَمَّا قَاضِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يُوَلِّي نُوَّابًا عَنْهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ الْحُكْمَ فِيهَا وَفِي تَوَابِعِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ مَأْذُونًا بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مُوَلًّى مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِالِاسْتِخْلَافِ لِلْقَضَاءِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ لَفْظَةَ قَاضِي الْقُضَاةِ مَعْنَاهَا الْقَاضِي الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ قَضَاءَ الْقُضَاةِ أَمَّا إنْ وُلِّيَ أَغْنَى هَذَا اللَّفْظُ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا إلَخْ) قُلْت فَلَوْ قُرِّرَ خَطِيبٌ بِجَامِعٍ فَهُدِمَ، ثُمَّ أُعِيدَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِهَذَا الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>