للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخُرُوجِهِ) أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا فَلَا يُبْنَى الظُّهْرُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ قَدْرًا وَحَالًا وَاسْمًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ كُلَّ مُصَلٍّ لَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ لَصَارَ قَاضِيًا وَقَضَاءُ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ انْتَبَهَ فِي الْوَقْتِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا اهـ.

وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ بَابِ الْمَوَاقِيتِ، وَفِي الْجُمُعَةِ لَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ تَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ أَصْلًا اهـ.

وَلَا يَخْفَى مُخَالَفَةُ أَبِي يُوسُفَ أَصْلَهُ هُنَا فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إمَامٌ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَدَخَلَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ فَزَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْوَقْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي النَّوَادِرِ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرَّقَ فِي اللَّاحِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عُذْرُهُ النَّوْمَ أَوْ الزَّحْمَةَ.

(قَوْلُهُ وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْخُطْبَةُ وَكَوْنُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّاهَا دُونَ الْخُطْبَةِ وَنُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَلِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ فِيهِ أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ وَشَرْطُ الشَّارِحِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطُ حُضُورُ وَاحِدٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَخَطَبَ وَصَلَّى بِالثَّلَاثَةِ جَازَ، وَلَوْ خَطَبَ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لَمْ يَجُزْ إنْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ انْتَهَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ يُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الزَّادِ وَهَلْ تَقُومُ الْخُطْبَةُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقُومُ؛ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَقُومُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هِيَ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تُقَامُ بِالْخُطْبَةِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَرْكَانِهَا اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا وَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمْعِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النِّسْبِيَّاتِ فَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ الْمُنْشَأَةِ فَالْخُطْبَةُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّتِهَا مِنْ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ هَذَا الْخَلِيفَةُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ اسْتِقْبَالِهِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا فَلَوْ فَسَدَ الْأَوَّلُ اسْتَقْبَلَ بِهِمْ فَكَذَلِكَ الثَّانِي فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ اهـ.

وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَقِبَ الْخُطْبَةِ بِلَا تَرَاخٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلِذَا

ــ

[منحة الخالق]

الْوَقْفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَلْيُنْظَرْ مَا عِلَّةُ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ بِانْهِدَامِهِ لَا تَزُولُ عَنْهُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَانْظُرْ فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ الْمَقْدِسِيَّ لَيْسَتْ هَذِهِ نَصُّ عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَلْ قَلَبَتْهَا وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ إيرَادِ مَا اخْتَرْت وَعِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي كِفَايَةِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَنَحْوِهَا فِي الْخُطْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ بِهِ عُرْفًا وَأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَرَضِهِمْ فَأَمَّا فِي أَمْرٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لُغَةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ يَعْنِي رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ اهـ.

وَكَذَا اعْتَرَضَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَلَكِنْ نَاقَشَ الْمُحَقِّقُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ الْمُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اقْتِضَائِهِ صِحَّتَهَا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَصْدِ التَّحْمِيدَةِ وَنَحْوِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ جَازَ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ، وَالْمَأْمُورُ جَمْعٌ فَإِذَا جَازَتْ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ الْأَمْرُ فَائِدَتُهُ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ مَا رَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ يَتَرَجَّحُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عَلَى مَا مَرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>