للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ وَالصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ صَارَ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ شَائِعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِأَنْ قَالَ لِهَذَا ثُلُثُهَا وَلِهَذَا ثُلُثَاهَا أَوْ لِهَذَا نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إنْ قَبَضَهُ وَقَيَّدْنَا بِالدَّارِ وَمُرَادُهُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْبَيْتِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَوَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَبْضِهَا فَقَبَضَاهَا جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان

(قَوْلُهُ وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغِنَى وَهُمَا اثْنَانِ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ مَجَازٌ عَنْ الْهِبَةِ كَالْهِبَةِ مِنْ الْفَقِيرِ مَجَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اتِّصَالًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَيَجُوزُ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ لَا تُوجِبُ الرُّجُوعَ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ تُجَوِّزُ الرُّجُوعَ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الصِّحَّةِ هُنَا نَفْيُ الْمِلْكِ فَلَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا لَهُمَا صَحَّتْ وَمَلَكَاهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا) يَعْنِي صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَوْهُوبُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْأَعْيَانِ لَا فِي حَقِّ الْأَقْوَالِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الصِّحَّةِ دُونَ الْجَوَازِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَمُقْتَضَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إلَّا فِيمَا يَهَبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى خِلَافِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ وَيَقُولُ أَطْلَقَ الِاثْنَيْنِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا وَالْآخَرُ صَغِيرًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافُهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فِي عِيَالِهِ جَازَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَأَصْلُ الْوَهْمِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى ذَكَرَ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَى أَحَدٍ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ فِي قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ تَأَمَّلْ اهـ.

أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا وَلَوْ وَهَبَ دَارًا لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ كَانَتْ هِبَةً فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِي الْكَبِيرَيْنِ لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَيَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ. اهـ.

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ إظْهَارَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِجَوَازِهَا لِلْكَبِيرَيْنِ مَعَ مُوَافَقَتِهِمَا الْإِمَامَ بِعَدَمِ جَوَازِهَا لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ مَبْنِيَّةً عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ فَمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى أَنَّهَا قَوْلُ الْكُلِّ صَحِيحٌ لَا وَهْمَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُتُونِ لَا تُنَافِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نَبِيهٍ نَعَمْ إذَا قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَلَدَانِ صَغِيرَيْنِ تَجُوزُ الْهِبَةُ يَكُون مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ عَدَمَ جَوَازِ هِبَةِ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَكِنْ إذَا تَأَمَّلَ الْفَقِيهُ فِي عِلَّةِ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَهِيَ تَحَقُّقُ الشُّيُوعِ يَجْزِمُ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُتُونِ بِغَيْرِ مَا إذَا كَانَا صَغِيرَيْنِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضُ مِنْهُ لَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا فَإِنَّ قَبْضَ الْكَبِيرِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ عِنْدَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَوْضَحُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ هِبَةَ الصَّغِيرِ مُنْعَقِدَةٌ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ لِقِيَامِ قَبْضِ الْأَبِ مَقَامَ قَبْضِهِ وَهِبَةُ الْكَبِيرِ مُحْتَاجَةٌ إلَى قَبُولٍ فَسَبَقَتْ هِبَةَ الصَّغِيرِ فَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَى الْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهُمَا اهـ.

أَيْ فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْكَبِيرِ أَوْ لَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضَانِ مَعًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الشُّيُوعُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهَا لِلْكَبِيرَيْنِ ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَصِحُّ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ فَلَا شُيُوعَ) أَشَارَ بِنَفْيِ الشُّيُوعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ إذَا تَحَقَّقَ فِي الصَّدَقَةِ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ لِتَحَقُّقِ الشُّيُوعِ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّهِ عَلَى فَقِيرَيْنِ لِمَا عَلِمْته مِنْ عَدَمِ الشُّيُوعِ

[بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]

(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ) قَدْ يُقَالُ أَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ شَرْعًا كَانَ مَكْرُوهًا فَمَعْنَى غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا وَمُطْلَقُ الْكَرَاهَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ قَبِيحٌ كَمَا يَأْتِي وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ خَاصٌّ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْآتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>