للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ بِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَنُبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الرُّجُوعَ قَبِيحٌ وَلَا يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا قَبِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ الْمُفِيدَ لِعَدَمِ الْحِلِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَهَبَ الْمَأْمُورُ كَمَا أُمِرَ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْآمِرِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْقَابِضِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَالدَّافِعُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَفَعَلَ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ لِلْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَرْجِعَ الدَّافِعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَأَطْلَقَ الْهِبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْأَعْيَانِ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا وَهَبَا عَبْدًا فَلِأَحَدِهِمْ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِهِ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ فَسْخَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْوَاهِبُ إذَا اشْتَرَى الْهِبَةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَالُوا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَسْتَحْيِ مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا لِأَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَى وَلَدِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ

(قَوْلُهُ وَمُنِعَ الرُّجُوعَ دمع خزقه) أَيْ وَمَنَعَ الرُّجُوعَ فِي الْمَوْهُوبِ الْمَوَانِعُ السَّبْعَةُ الْآتِي تَفْصِيلُهَا (قَوْلُهُ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسَّمْنِ) أَيْ حَرْفُ الدَّالِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ وَلَوْ زَالَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ كَمَا إذَا شَبَّ الصَّغِيرُ ثُمَّ شَاخَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعٍ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَدَخَلَ الْجَمَالُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَإِسْلَامُ الْعَبْدِ وَعَفْوُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَنْهُ وَسَمَاعُ الْأَصَمِّ وَإِبْصَارُ الْأَعْمَى وَخَرَجَ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ كَطُولِ الْغُلَامِ وَفِدَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ جَنَى خَطَأً وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إذَا كَانَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ كَبِنَاءِ تَنُّورِ الْخَبْزِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا امْتَنَعَ فِيهَا فَقَطْ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا.

وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ فَذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ ذَهَبَتْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِيَةَ عَلَى خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَهَبَ جَارِيَةً

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي رُجُوعِ الْوَاهِبِ وَهَذَا فِي رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ هُنَا مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ

وَوَاهِبُ دَيْنٍ لَيْسَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْدُثُ جُزْءًا فَجُزْءًا فَلَا يَصِلُ إلَى الرُّجُوعِ فِيمَا وُهِبَ إلَّا بِالرُّجُوعِ فِيمَا لَمْ يُهَبْ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْحَبَلَ لَوْ لَمْ تَزِدْ بِهِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَهُمَا اهـ.

قُلْت وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْحَبَلَ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا فِي الْبَهَائِمِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَوْ وُهِبَ عَبْدًا صَغِيرًا فَشَبَّ وَصَارَ رَجُلًا طَوِيلًا لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبَدَنِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ الْمُخْتَارُ.

(قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَاءً ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>