، وَأَحْمَدُ. وَلِأَنَّ الْجَرْحَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَجْرَحُ وَكَذَا عَرْضُ الْمِعْرَاضِ، وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ لَا رِيشَ وَلَا نَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيدُ الرَّأْسِ سُمِّيَ الْحَدِيدُ مِعْرَاضًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ مُعْتَرِضًا وَتَارَةً يُصِيبُ بِعَرْضِهِ وَتَارَةً يُصِيبُ بِحَدِّهِ وَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّيْفِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَلَهُ حَدٌّ وَجَرَحَ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْحَجَرِ حِينَئِذٍ وَلَوْ جَعَلَ الْحَجَرَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَهُوَ خَفِيفٌ وَبِهِ حَدُّهُ وَرَمَى بِهِ صَيْدًا فَإِنْ جَرَحَ حَلَّ لِقَتْلِهِ بِجَرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ فَلَمْ يَبْضَعُ بَضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَقَطَعَ أَوْدَاجَهُ، وَأَبَانَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ قَدْ تَنْقَطِعُ بِالثِّقْلِ فَيَقَعُ الشَّكُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَوْ رَمَاهُ بِعُودٍ مِثْلِ الْعَصَا وَنَحْوِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ثِقْلًا لَا جَرْحًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ بَضَعَ بَضْعًا فَيَكُونُ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجَرْحِ يَتَعَيَّنُ حِلٌّ وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقْلِ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ الْجَرْحُ مُدْمِيًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ وَشَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْرَاجَ الدَّمِ بِقَوْلِهِ «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِهِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْحَبِسُ بِقَتْلِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا: وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهَا الدَّمَ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَالثَّانِي قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطَ خُرُوجَ الدَّمِ.
[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ لَا الْعُضْوُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أُكِلَ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ كَالْمُبَانِ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ: «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ يَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ قَدْ حَصَلَ بِالْإِبَانَةِ حُكْمًا فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً أَقُولُ: الْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ شَائِعَةٌ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَكُتُبِ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَجْرِي عَلَى تَقْيِيدِهِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ وَفِي الْأَصْلِ: رَجُلٌ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ فَاتَهُ الصَّيْدُ فَرَجَعَ وَعَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ، وَقَوْلُهُ " أُبِينَ بِالذَّكَاةِ " قُلْنَا: حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ تَقَعْ ذَكَاةٌ لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِي الثَّانِي حَقِيقَةً وَحُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِزَوَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَجُوزُ، وَالْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُقُوعُهُ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَانُ مِنْهُ بِالِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعُجَرَ أُكِلَ كُلُّهُ) لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ فَوَقَعَ ذَكَاةٌ فِي الْحَالِ فَحَلَّ أَكْلُهُ كَمَا إذَا أُبِينَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَكَذَا إذَا قُدَّ نِصْفَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخْذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ بِإِبْلَاغِهِ النِّخَاعَ وَإِنْ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا تَحِلُّ وَإِنْ لَمْ تَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّتْ وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ حَتَّى مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ يَبْقَى مُعَلَّقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute