وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَبَطَلَ الْإِحْرَازُ أَصْلًا كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَخَصَّ الْخَطَأَ بِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ]
(فَصْلٌ)
تَأْخِيرُ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا يُمَكَّنُ مُسْتَأْمَنٌ أَنْ يُقِيمَ فِينَا سَنَةً وَقِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت سَنَةً وَضَعَ عَلَيْك الْجِزْيَةَ) لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا تَلْتَحِقُ الضَّمْرَةُ بِالْمُسْلِمِينَ وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمِيرَةِ وَالْجَلْبِ وَسَدَّ بَابِ التِّجَارَةِ فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ قَيْدٌ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْءٌ فَإِنْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُخِذَ وَلَوْ قَالَ أَنَا رَسُولُ فَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ كِتَابٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ بِعَلَامَةٍ تُعَرِّفُ ذَلِكَ كَانَ آمِنًا فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمَانٍ خَاصٍّ بَلْ بِكَوْنِهِ رَسُولًا يَأْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُ فَهُوَ زُورٌ فَيَكُونُ هُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْئًا. وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ وَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا وَلَكِنْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤْذَى وَلَا يُخْرَجُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَخْذِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَوْ رَجَعَ هَذَا الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا وَعَادَ حُرًّا وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَا أَمَّنْته لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ غَيْرَهُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ) إنْ مَكَثَ الْمُدَّةَ الْمَضْرُوبَةَ فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ صَارَ مُلْتَزَمًا لِلْجِزْيَةِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَمُرَادُهُ مِنْ السَّنَةِ وَمَا وَقْتُهُ الْإِمَامُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ مَا ذُكِرَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَلَوْ مَكَثَ سَنَةً قَبْلَ مَقَالِ الْإِمَامِ لَهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ إلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمِّيِّ جَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ حَتَّى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُ بِسِلَاحٍ اشْتَرَاهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ بِاَلَّذِي دَخَلَ بِهِ فَإِنْ بَاعَ سَيْفَهُ وَاشْتَرَى بِهِ قَوْسًا وَنُشَّابًا أَوْ رُمْحًا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا أَحْسَنَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ يُمَكَّنُ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِنَا وَقَفَ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ فَإِذَا قَدِمُوا وَبَرْهَنُوا أَخَذُوهُ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ أَهْلَ ذِمَّةٍ أَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتْرُكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ) أَيْ لَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْمَنُ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْإِسْلَامِ كَيْفَ وَإِنَّ فِيهِ قَطْعَ الْجِزْيَةِ وَجَعْلَ وَلَدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَفِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ يَقْتَضِي مَنْعَ الذِّمِّيِّ مِنْ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ) أَيْ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ فَإِذَا الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزَمًا الْمَقَامَ فِي دَارِنَا قُيِّدَ بِوَضْعِهِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفَسَّرَ فِي الْبِنَايَةِ وَضْعَهُ بِالتَّوْظِيفِ عَلَيْهِ
ــ
[منحة الخالق]
مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ وَالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ بِالِاسْتِقْرَاضِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَصَرَ الْمُدَايَنَةَ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ شَدَّدَ وَمَنْ أَدْخَلَ الْقَرْضَ وَنَحْوَهُ خَفَّفَ وَهُوَ أَوْلَى اهـ
[مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ]
(فَصْلٌ تَأْخِيرُ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ) (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَادِي بِحُرْمَةِ تَمْكِينِهِ سَنَةً بِلَا شَرْطِ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إنْ هُوَ أَقَامَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَهُوَ أَنَّهُ يُخْرِجُ كَثِيرٌ مِنْ سُفُنِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ الْأَنْهُرِ الَّتِي بِالسَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَيَقَعُ فِيهِمْ بَعْضٌ مِنَّا فَيَأْخُذُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute