للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ وَبِبَيْعِ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَ حَقُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَاعَ بَيْعًا صِحِّيًّا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ وَهُنَاكَ الْكَرَاهَةُ لِلْغَدْرِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِيهِ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَتْ كَافِرَةً فَأَعْطَى لِلْأَبِ صَدَاقَهَا فَأَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَبِيعُهَا فَخَرَجَ بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهِيَ حُرَّةٌ يُرِيدُ بِهِ إذَا خَرَجَتْ مَعَهُ طَوْعًا لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إنَّمَا يُمْلَكُونَ بِالْقَهْرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِذَا لَمْ يَقْهَرْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَتْ مَعَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ قَهْرٍ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا فِي تَصْوِيرِهَا مَا إذَا أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا لِيَبِيعَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كُرْهًا لَا لِهَذَا الْغَرَضِ بَلْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُذْهِبَ زَوْجَتَهُ حَيْثُ شَاءَ إذَا أَوْفَاهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهَا اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ إذَا غَصَبَ شَيْئًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُيِّدَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُفْتِي بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ غَدْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَسَكَتَ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّ الْإِدَانَةَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ لِمَا فِي الْقَامُوسِ أَدَانَ وَاسْتَدَانَ وَتَدَيَّنَ أَخَذَ دَيْنًا وَالدَّيْنُ مَا لَهُ أَجَلٌ وَمَا لَا أَجَلَ لَهُ فَقَرْضٌ وَأَدَانَ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ أَوْ بَاعَ بِالدَّيْنِ ضِدٌّ اهـ.

مَعَ أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ هُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقْرَضَ الْآخَرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ وَفَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْمَنَا) أَيْ الْإِدَانَةِ وَالْغَصْبَ ثُمَّ دَخَلَا دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي الْمُحِيطِ خَرَجَ حَرْبِيٌّ مَعَ مُسْلِمٍ إلَى الْعَسْكَرِ وَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسِيرٌ وَقَالَ كُنْت مُسْتَأْمَنًا فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا أَوْ كَانَ مَعَ عَدَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا لَا بِالْغَصْبِ) أَيْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ بَعْدَ الْإِدَانَةِ أَوْ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْمُدَايَنَةَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي وَالْوِلَايَةُ ثَانِيَةُ حَالَةِ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالرَّدِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ دَرَاهِمَ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ غَصَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا يُفْتِي بِالرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ بِهِ وَالدِّيَةُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا مَنَعَةَ بِدُونِ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَفِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْأَسِيرَيْنِ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُهُ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ وَفِي بَعْضِهَا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ إلَخْ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ أَدَنْته وَدَيَّنْته أَقْرَضْته وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْكِتَابِ يَشْمَلُ الْقَرْضَ أَيْضًا لَكِنْ فِي طَلَبَةِ الطَّلَبَةِ ادَّانَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ قَبِلَ الدَّيْنَ وَالدَّيْنُ غَيْرُ الْقَرْضِ لِأَنَّ الْقَرْضَ اسْمٌ لِمَا يُقْرَضُ يَصِيرُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ قِيلَ أَنَّ اسْمَ الدَّيْنِ شَامِلٌ الْجَمِيعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>