للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَ الزُّورِ وَالْفُجُورِ، وَلَا يَسْأَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ.

قُلْت اللَّهُمَّ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ لَهُ مَالًا عَظِيمًا كَانَ وَرِثَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْغِنَى فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا. اهـ.

وَقَدَّمْنَا عَنْهُمْ أَنَّ مِنْ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ الْقَضَاءَ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ لَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ بِالسُّقُوطِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ مِنْ السُّلْطَانِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - بِعَدَمِ سَمَاعِ حَادِثَةٍ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا عَمَلًا بِنَهْيِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَتْ بِبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ، وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ بِهِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ.

الرَّابِعُ: قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ قُلْنَا مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَثَبَتَ، وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ، وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَقُلْنَا صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ، وَلَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٌ وَالْمِلْكُ لِلْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُرْهَانَ الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُطَالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ، وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسِ فَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوَّلَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ فِي الْأَخِيرَةِ، وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ فَالصُّوَرُ عَشْرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ الْخَمْسَةُ بِالثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَلْحَقُ بِهَا دَعْوَى كَوْنِهَا مُزَارَعَةً بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْضًا فَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ بِالْمُزَارَعَةِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الْغَائِبِ وَتَلْحَقُ الْمُزَارَعَةُ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَزْدَادُ عَلَى الْخَمْسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ.

اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى]

فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعْوَى)

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ مَالَ غَيْرِهِ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ أَيْ يُودِعُ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الدَّافِعِ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ) أَيْ بِحَسَبِ فُرُوعِهَا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ رُجُوعِ الْخَمْسَةِ الْمَزِيدَةِ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُصُولِ فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فَالْمُرَادُ انْحِصَارُ أُصُولِهَا فِي الْخَمْسَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>