للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَقْرَأَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَقْرَأَهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُفْتَقَرُ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمَ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْثَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ فَهُوَ أَوْلَى اهـ.

وَقَيَّدَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْلَمَ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَرِعًا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَقَيَّدَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْوَاجِبِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ وَيُوَرِّثُ النُّقْصَانَ فِي الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ) مُحْتَمِلٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَحْفَظُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، الثَّانِي أَحْسَنَهُمْ تِلَاوَةً لِلْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ تَجْوِيدِ قِرَاءَتِهِ وَتَرْتِيلِهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ) أَيْ الْأَكْثَرُ اجْتِنَابًا لِلشُّبُهَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَرَعَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْهِجْرَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَمَّا انْتَسَخَتْ بَعْدَهُ أَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا وَاسْتَثْنَى فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِهَا بَعْدَهُ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَوْلِهِ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا» فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ عِوَضَ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا وَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقْدِمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحْتَاجُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ، وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَأِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ أَيْ الَّذِي لَيْسَ بِأَقْرَأَ مَجَازًا فَيَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْأَعْلَمُ أَوْلَى إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَافِظًا لِمِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَيْضًا لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَكْمِيلِ صَلَاتِهِ بَلْ حِفْظُ الْمَسْنُونِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا اهـ.

أَقُولُ: بِاعْتِرَافِهِ أَنَّ الْمَسْنُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا خَرَجَ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>