للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُكَرِّرُهَا فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي مَسْجِدٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا بِقَوْمٍ كَثِيرٍ أَمَّا إذَا صَلَّى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا إذَا صَلَّى فِي غَيْرِ مَقَامِ الْإِمَامِ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا إذَا كَانَ خُفْيَةً فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ لَا بَأْسَ بِهَا فِي مَسْجِدٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ مَسْجِدٌ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ فَوْجًا فَوْجًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ صَلَّى بَعْضُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُخَافَتَةً ثُمَّ ظَهَرَ بَقِيَّتُهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ اهـ.

وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا تَجِبُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ وَيَحْمِلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ وَحَقَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ وَتَسْقُطُ بِعُذْرِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ مِنْهَا الْمَطَرَ وَالرِّيحَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَأَمَّا فِي النَّهَارِ فَلَيْسَتْ الرِّيحُ عُذْرًا وَكَذَا إذَا كَانَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ يَخَافُ أَنْ يَحْبِسَهُ غَرِيمُهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ كَانَ يَخَافُ الظُّلْمَةَ أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ أَوْ يَكُونُ قَائِمًا بِمَرِيضٍ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا فَاتَتْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا لِلْجَمَاعَةِ آخَرَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا تَتَبُّعُهَا وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ جَمَاعَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَإِذَا كَانَ مَسْجِدَانِ يَخْتَارُ أَقْدَمَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَقْرَبُ فَإِنْ صَلَّوْا فِي الْأَقْرَبِ وَسَمِعَ إقَامَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَيَذْهَبُ إلَيْهِ وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْرِيعٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مِنْ فَضَّلَ الْجَامِعَ فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَفَقِّهًا فَمَجْلِسُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ مَجْلِسُ الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.

وَأَمَّا حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا قِيَامُ نِظَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ شُرِعَتْ الْمَسَاجِدُ فِي الْمَحَالِّ لِتَحْصِيلِ التَّعَاهُدِ بِاللِّقَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَيْنَ الْجِيرَانِ، ثَانِيهَا دَفْعُ حَصْرِ النَّفْسِ أَنْ تَشْتَغِلَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَحْدَهَا، ثَالِثُهَا تَعَلُّمُ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَالِمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣] فَهِيَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا فَضَائِلُهَا فَفِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ «صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَتِهِمْ وَأَنَّهُ بِكُلِّ رَجُلٍ فِي صُفُوفِهِمْ تُزَادُ فِي صَلَاتِهِمْ صَلَاةٌ تَعْنِي إذَا كَانُوا أَلْفَ رَجُلٍ يُكْتَبُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَلْفُ صَلَاةٍ.

(قَوْلُهُ وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) أَيْ أَوْلَى بِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَعْلُومَ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْفِقْهِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْفِقْهِ غَيْرَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَكْثَرِهِمْ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْكِتَابِ فَمُجْمَلَةٌ وَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ

ــ

[منحة الخالق]

وَنُقِلَ إنْكَارُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَضَرُوا الْمَوْسِمَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِعُذْرِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ أَوْصَلَهَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ الدُّرَّ الْمُخْتَارِ إلَى عِشْرِينَ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي

خُذْ عُدَّ أَعْذَارًا لِتَرْكِ جَمَاعَةٍ ... عِشْرِينَ نَظْمًا قَدْ أَتَى مِثْلَ الدُّرَرْ

مَرَضٌ وَإِقْعَادٌ عَمًى وَزَمَانَةٌ ... مَطَرٌ وَطِينٌ ثُمَّ بَرْدٌ قَدْ أَضَرّ

قَطْعٌ لِرِجْلٍ مَعَ يَدٍ أَوْ دُونَهَا ... فَلْجٌ وَعَجْزُ الشَّيْخِ قَصْدٌ لِلسَّفَرْ

خَوْفٌ عَلَى مَالٍ كَذَا مِنْ ظَالِمٍ ... أَوْ دَائِنٍ وَشَهِيُّ أَكْلٍ قَدْ حَضَرْ

وَالرِّيحُ لَيْلًا ظُلْمَةٌ تَمْرِيضُ ذِي ... أَلَمٍ مُدَافَعَةً لِبَوْلٍ أَوْ قَذَرْ

ثُمَّ اشْتِغَالٌ لَا بِغَيْرِ الْفِقْهِ فِي ... بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عُذْرٌ مُعْتَبَرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>