ضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَعَجْزِ بَشَرِيَّتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا لَا إظْهَارَ الضَّجَرِ.
(قَوْلُهُ لَا كُحْلٌ وَدُهْنُ شَارِبٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ مِنْهُمَا مَفْتُوحَةً فَيَكُونَانِ مَصْدَرَيْنِ مِنْ كَحَلَ عَيْنَهُ كَحْلًا وَدَهَنَ رَأْسَهُ دَهْنًا إذَا طَلَاهُ بِالدُّهْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا وَيَكُونَ مَعْنَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهَا لِمَا أَنَّهُ نَوْعُ ارْتِفَاقٍ وَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورِ الصَّوْمِ، وَقَدْ «نُدِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ» ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدُوا بِهِ التَّدَاوِيَ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» فَمَحْمُولٌ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالْمُخَنَّثَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ بِالضَّمِّ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ؛ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ حَرَامٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَسِوَاكٌ وَقُبْلَةٌ إنْ أَمِنَ) أَيْ لَا يُكْرَهَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلصَّائِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْمَبْلُولَ وَغَيْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» لِتَنَاوُلِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحْكَامُهُ فِي سُنَنِ الطَّهَارَةِ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُنَّةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ كَغَيْرِ الصَّائِمِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)
اعْلَمْ أَنَّ لِفَسَادِ الصَّوْمِ أَحْكَامًا بَعْضُهَا يَعُمُّ الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَاَلَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ الْإِثْمُ إذَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِبْطَالُ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِعُذْرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ وَالْمُؤَاخَذَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ وَأَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهَا حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ وَالْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا اسْتَقْبَلَك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤] وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُك وَالْعَارِضُ النَّابُ أَيْضًا وَالْعَارِضَانِ شِقَّا الْفَمِ وَالْعَارِضُ الْخَدُّ يُقَالُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَيْ آفَةٌ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِنْ مَرَضٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْإِكْرَاهُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَعِزَّاءِ الْمَوَالِي أَنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ: يُحَبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي مِثْلِهِ يُسْتَحَبُّ اهـ.
وَكَأَنَّهُ لِهَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ لِلنَّهْرِ وَقَالَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ.
قُلْتُ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إلَخْ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ) أَيْ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ احْتَلَمَ
[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]
(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ) .
(قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ إلَخْ) نَظَمَهَا الْمَقْدِسِيَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ
سَقَمٌ وَإِكْرَاهٌ وَحَمْلٌ وَسَفَرْ ... رَضْعٌ وَجُوعٌ وَعَطَشٌ وَكِبَرٌ
انْتَهَى. وَالْأَوْلَى إنْشَادُهُ خَالِيًا مِنْ الضَّرُورَةِ هَكَذَا:
مَرَضٌ وَإِكْرَاهٌ رَضَاعٌ ... وَالسَّفَر حَبَلٌ كَذَا عَطَشٌ وَجُوعٌ وَالْكِبَرْ
وَيُزَادُ تَاسِعٌ وَهُوَ قِتَالُ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْغَازِيَ إذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْقِتَالِ لَهُ الْفِطْرُ وَلَوْ مُقِيمًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَقَدْ زِدْت ذَلِكَ فَقُلْت
حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهٌ سَفَرْ ... مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ
قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ السَّفَرَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ إنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَمِنْهَا كِبَرُ السِّنِّ وَفِي عُرُوضِهِ فِي الصَّوْمِ لِيَكُونَ مُبِيحًا لِلْفِطْرِ مَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى