للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا دَمَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ لَا دَمَ لَهُ فَكَانَ الْأَنْسَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ وَالْمَعَاشِ وَلَهُ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ فَلِذَا فَرَّقَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَهُمَا وَنَقَلَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا فِي السَّمَكِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُولَى ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَقَوْلِنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الشَّافِعِيَّ، وَإِذَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ صَارَ حُجَّةً عَلَى مَا بَعْدَهُ اهـ.

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَتِهِ لَا يَكُونُ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ فَقَدْ قَالَ بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ الْإِمَامُ التَّابِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» وَمَعْنَى اُمْقُلُوهُ اغْمِسُوهُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يَكُونُ حَارًّا فَيَمُوتُ بِالْغَمْسِ فِيهِ فَلَوْ كَانَ يُفْسِدُهُ لَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَمْسِهِ لِيَكُونَ شِفَاءً لَنَا إذَا أَكَلْنَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الذُّبَابِ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِمَعْنَاهُ كَالْبَقِّ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَالْبَعُوضِ وَالْجَرَادِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالنَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالصَّرْصَرِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقُمَّلِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَقَالَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الدَّوَاءُ وَالشِّفَاءُ فِي جَنَاحَيْ الذُّبَابَةِ وَكَيْفَ تَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى تُقَدِّمَ جَنَاحَ الدَّاءِ قَالَ: وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ وَاَلَّذِي يَجِدُ نَفْسَهُ وَنُفُوسَ عَامَّةِ الْحَيَوَانِ قَدْ جُمِعَ فِيهَا الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ، وَهِيَ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ إذَا تَلَاقَتْ تَفَاسَدَتْ ثُمَّ يَرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلَّفَ بَيْنَهَا وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِبَقَاءِ الْحَيَوَانِ وَصَلَاحِهِ لَجَدِيرٌ أَنْ لَا يُنْكِرَ اجْتِمَاعَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ فِي جُزْأَيْنِ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اتِّخَاذَ بَيْتٍ عَجِيبِ الصَّنْعَةِ وَتَعْسِلُ فِيهِ وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ كَسْبَ قُوتِهَا وَادِّخَارَهُ لِأَوَانِ حَاجَتِهَا إلَيْهِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الذُّبَابَةَ وَجَعَلَ لَهَا الْهِدَايَةَ إلَى أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ الِابْتِلَاءِ الَّذِي هُوَ مَدْرَجَةُ التَّعَبُّدِ وَالِامْتِحَانِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ التَّكْلِيفِ وَلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أَوَّلُو الْأَلْبَابِ اهـ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهِ دَاءُ الْكِبْرِ وَالتَّرَفُّعِ عَنْ اسْتِبَاحَةِ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَأَحَلَّتْهُ السُّنَّةُ الْمُعَظَّمَةُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقْلِهِ دَفْعًا لِلتَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخْرِجُ الْجَنَاحَيْنِ وَالشِّفَاءَ عَنْ الْفَائِدَةِ كَذَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ.

وَاسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا أَيْضًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ» قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَخْرَجُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا بَقِيَّةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ هَذَا وَقَالَ هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَحَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ اهـ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدُفِعَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ هَذَا هُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ الْحَمَّادَيْنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَشُعْبَةَ وَنَاهِيك بِشُعْبَةَ وَاحْتِيَاطِهِ قَالَ يَحْيَى كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلًا لَبَقِيَّةَ حَيْثُ قَدِمَ بَغْدَادَ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَقَالَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَكَانَ ثِقَةً فَانْتَفَتْ الْجَهَالَةُ

ــ

[منحة الخالق]

[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ وَالْمَعَاشِ وَلَهُ دَمٌ سَائِلٌ) إلَّا يُرَادُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ مَا سَيَأْتِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يُفِيدُ أَنَّ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ قَدْ يَكُونُ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمَهُ آنِفًا وَمَا سَيَأْتِي عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَلَا وُرُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>