للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّامًا كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَقَلَّ، وَهُوَ الثَّلَاثُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَعِنْدَهُ لِلْعَشَرَةِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْأُسْبُوعِ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتَنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْت حُرٌّ فَعِنْدَهُ لِلْعَشَرَةِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْأُسْبُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْكَثْرَةِ انْصَرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ مُنَكَّرًا فَيَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَسَوَّى بَيْنَ مُنَكَّرِ الْأَيَّامِ، وَمُعَرَّفِهَا بِخِلَافِ السِّنِينَ مُنَكَّرًا فَإِنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ الْمُضَافَ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِمَّا سَمَّى يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ ثِيَابٌ وَدَوَابُّ، وَعَبِيدٌ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ لَا يُكَلِّمُ أَصْدِقَاءَ فُلَانٍ لَا يُكَلِّمُ أُخْوَةُ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِمَّا سَمَّى. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَنْعُ فِي فُلَانٍ لَا لِمَعْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِ مَنْسُوبَيْنِ إلَى فُلَانٍ، وَقَدْ ذَكَرَ النِّسْبَةَ بِاسْمِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ فَمَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ نَوَى الْحَالِفُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الدَّوَابَّ كُلَّهَا وَالْغِلْمَانَ كُلَّهَا يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدَةٍ فِي الْكُلِّ.

وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ فِي بَنِي آدَمَ وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ، وَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يَحْنَثُ وَيَمِينُهُ عَلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ لَا أَرْكَبُ دَوَابَّهُ، وَلَا أَلْبَسُ ثِيَابَهُ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ أُخْوَةُ فُلَانٍ، وَلَهُ أَخٌ وَالْأَخُ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَأَرَادَ الْوَاحِدَ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ. اهـ.

وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ فَفِي الْمُنَكَّرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَأَمَّا فِي الْمُعَرَّفِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْمَعْهُودِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا عَهْدَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِجَمْعٍ مُنَكَّرٍ كَعَبِيدٍ وَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ يَتَعَلَّقُ وُقُوعُهُ بِأَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ دُونَ الْمُثَنَّى، وَمَتَى عُلِّقَ بِجَمْعٍ مَعْرُوفٍ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ يَتَعَلَّقُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٍ كَالْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِاسْمِ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ الْجِنْسِ. اهـ.

وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ، وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالنِّسَاءُ وَالثِّيَابُ يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ فَكَلَّمَهُ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مَرَّةً وَاحِدَةً حَنِثَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ فِي كُلِّ يَوْم، وَلَوْ تَرَكَ كَلَامَهُ يَوْمًا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَلَّمَهُ كُلَّ يَوْمٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الِاسْمِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَيَّامَهُ هَذِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامَهُ فَهُوَ عَلَى الْعُمُرِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا بَعْدَ الْأَيَّامِ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَلَّمَهُ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ، وَبَعْدَ السَّبْعَةِ يَحْنَثُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>