(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْأَخِيرُ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطُ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مَتَى اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخَرِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِالْأَوَّلِيَّةِ لَا يُنَافِي اتِّصَافَهُ بِالْآخِرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَلَوْ قَالَ آخَرُ تَزَوَّجْ أَتَزَوَّجُ فَالَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْآخَرَ وَصْفًا لِلْفِعْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَعَقْدُهَا هُوَ الْآخَرُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَوْلُهُ (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ، وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ قَدْ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً، وَهِيَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي دَفْعِ تَسْلِيطِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَأَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِالْحَيَاةِ نَصًّا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْحَيُّ اتِّفَاقًا، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ الْحَيُّ، وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ أَوْ الْوِلَادَةِ، وَأَشَارَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَى أَنَّهَا لَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَتُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ شَرْعًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا يُعْتَبَرُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (أَوَّلُ عَبْدٍ أَمِلْكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ، وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ آخَرَ) (لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَانْعَدَمَ التَّفَرُّدُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَانْعَدَمَ السَّبْقُ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ زَادَ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) أَيْ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمِلْكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ عَتَقَ الْعَبْدُ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ فِي حَالِ سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً، وَالثَّالِثُ سَابِقٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ الْمِلْكُ أَوْ الشِّرَاءُ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَةِ وَحْدَهُ أَنَّهُ زَادَ وَصْفًا لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ لَا فَيَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ أَسْوَدُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا ثُمَّ أَسْوَدَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَقَيَّدَ بِوَحْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَالًا لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْمَالِكِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَوَاحِدًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْرُورًا فَهُوَ صِفَةً لِلْعَبْدِ فَهُوَ كَوَحْدِهِ كَمَا لَا يَخْفَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ) أَيْ تَمَامُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ أَبَدًا فَارِقٌ آخَرُ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ بِعِبَارَةٍ مُطَوَّلَةٍ حَاصِلُهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ وَوَحْدُهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ، وَلِهَذَا صَدَقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ، وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ إذَا قَالَ وَحْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ وَاحِدًا إنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلٍ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي التَّمَلُّكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُعْتَقُ. اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْجَرَّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ كَالْإِضَافَةِ أَعْنِي وَحْدَهُ مَدْفُوعٌ بَلْ هُوَ كَالنَّصْبِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ. اهـ.
وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ سَأَمْلِكُهُ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ عَبْدًا لَمْ يَحْنَثْ لِفَقْدِ التَّفَرُّدِ فِي الْمَثْنَى وَالسَّبَقِ فِي الْفَرْدِ كَذَا أَمْلِكُهُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مُنَاوِبٌ لَا مُغَيِّرٌ وَحَقُّهُ الْكَسْرُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ وَالنَّصْبُ لِاتِّبَاعِ الْفَاشِي دُونَ الْحَالِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيُعْتَقُ الثَّالِثُ كَمَا فِي وَحْدِهِ إذْ هِيَ لِلتَّفَرُّدِ فِي الْحَالَةِ وَالْوَاحِدُ لِتَفَرُّدِ الذَّاتِ. اهـ.
وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ