للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْأُجْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ أَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَلِأَحَدِهِمَا إبْطَالُهَا وَأَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْقُنْيَةِ.

قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَلَا تَبْقَى دَائِمًا إلَّا بِالْعِمَارَةِ ثَبَتَ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ الْعِمَارَةُ فِيهَا وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَآجَرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهِيَ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ شَاءَ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ فَإِنْ خَرِبَ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ غَلَّتُهَا مَصْرُوفَةً إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ فَتُقْلَعُ وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْعِمَارَةِ ضَرُورَةُ إبْقَاءِ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِمَارَةَ الْأَوْقَافِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ الْعَيْنُ عَلَيْهِ زَمَنَ الْوَاقِفِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ مُنِعَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ الْوَاقِفُ وَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا مَنْعَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْمِيرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ أَجَّرَ دَارًا مَوْقُوفَةً فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رُوَاقَهَا مِرْبَطًا يُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَخَرَّبَهَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ اهـ.

وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى أَنَّ الْقَيِّمَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْعِمَارَةِ بِدِرْهَمٍ وَدَانَقٍ وَأَجْرُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا نَقَدَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ لَهُ لَا لِلْوَقْفِ. اهـ.

وَصَرَّحُوا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ فَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ ضَمِنَ وَقَدَّمْنَاهُ.

[وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَمَاتَ]

وَهَا هُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٍ فِي الْعِمَارَةِ الْأُولَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْقَيِّمِ فَظَهَرَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْوَقْفُ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِصْلَاحِ وَالْعِمَارَةِ أَيْضًا وَيَخَافُ الْقَيِّمُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْغَلَّةَ إلَى الْعِمَارَةِ يَفُوتُ ذَلِكَ الْبِرُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِ إصْلَاحِ الْأَرْضِ وَمَرَمَّتِهِ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُخَافُ خَرَابُ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ وَتُؤَخَّرُ الْمَرَمَّةُ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْمَرَمَّةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى الْمَرَمَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ.

وَالْمُرَادُ مِنْ وَجْهِ الْبِرِّ هَاهُنَا وَجْهٌ فِيهِ تَصَدُّقٌ بِالْغَلَّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ نَحْوُ فَكِّ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إعَانَةِ الْغَازِي الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ فَجَازَ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَيْهِمْ فَأَمَّا عِمَارَةُ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمْلِيكِ اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ الثَّانِيَةُ لَوْ صَرَفَ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَهُنَاكَ عِمَارَةٌ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ غَلَّةٌ فَفَرَّقَ الْقَيِّمُ الْغَلَّةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يُمْسِكْ لِلْخَرَاجِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِصَّةَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَالْمُؤْنَةِ مُسْتَثْنًى عَنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ ذَلِكَ ضَمِنَ. اهـ.

وَإِذَا ضَمِنَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِيَاسًا عَلَى مُودَعِ الِابْنِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَضْمَنُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ

ــ

[منحة الخالق]

سَهْوٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ بِالْغَلَبَةِ وَمَا فِي الْخَصَّافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا ضَمِنَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا فِي يَدِهِ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لَا مَا إذَا هَلَكَ إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّهُ هِبَةٌ وَفِيهَا لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَّا لِمَانِعٍ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ هِبَةً بَلْ هُوَ دَفْعُ مَالٍ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ قَائِمًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفَقَةِ مُودَعِ الِابْنِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ وَإِنْفَاقُهُ عَلَيْهِمَا ضِدُّهُ إذْ هُوَ إتْلَافٌ بِخِلَافِ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ تَصَرُّفِ الْمُتَوَلِّي فِي الْجُمْلَةِ وَالْمُودَعُ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي الْوَدِيعَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِذَا ضَمِنَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ مِنْهُ لَهُمَا عَلَى جِهَةِ الْإِنْفَاقِ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>