الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الثَّانِي فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِ أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ جُعِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ أَحْبَلَهَا الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ إحْبَالُهُ أَوْ تَسْلِيطُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ مَحْمُومَةً أَوْ مَجْرُوحَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا فَرَدَّهَا فَضَمَانُ النُّقْصَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ زَالَ فِي يَدِ الْمَالِكِ مَا كَانَ بِهَا مِنْ حُمَّى أَوْ بَيَاضِ الْعَيْنِ يَرُدُّ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ بَدَلَهُ ثُمَّ نَبَتَ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ غَصَبَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ الْغَاصِبِ رَجُلٌ آخَرُ فَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ قِيمَةَ الْأُمِّ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَجَحَدَهَا وَوَلَدَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَوَلَدِهَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ ضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَةَ النُّقْصَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا يَضْمَنُ الْحُرَّةَ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ الْأَمَةَ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ وَهَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانُ الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ لِلْمُشْتَرِي حُبْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فُعِلَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَدُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ التَّسْلِيمُ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلَ مَا أَخَذَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى وَأَنَّهُ يَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوِلَادَةَ هَاهُنَا سَبَبًا لِلْهَلَاكِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَدَافُعٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَرَقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ فَرَدَّ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ السَّرِقَةِ. اهـ.
[مَنَافِعَ الْغَصْبِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَافِعَ الْغَصْبِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ كَالْأَعْيَانِ وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ فَحُدُوثُهَا فِي يَدِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَهُنَا سُؤَالٌ لَمْ أَرَ كَثِيرًا مِنْ الشَّارِحِينَ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِالْإِجْمَاعِ
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ بَلْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَهَذَا السُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَزْعُمُ حُدُوثَ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَعْتَقِدُ حُدُوثَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ فَافْتَرَقَا وَقَوْلُهُ بِالْإِتْلَافِ مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِالْمَنَافِعِ يَعْنِي وَكَذَا مَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الْإِتْلَافُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ، أَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْجُودِ رَفَعَهُ، فَإِذَا قَارَبَهُ مَنَعَهُ، أَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ كَمَا وُجِدْت فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ الْمَعْدُومِ وَلِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ الْمَنَافِعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَلَا بِالدَّرَاهِمِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لِلْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute