للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَيْسَ هُوَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ كَالرُّكُوعِ لِانْتِصَابِ أَحَدِ نِصْفَيْهِ وَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُنْحَنَى مِنْ الْهَرَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ فَإِنَّهُ بَعْضُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَلِهَذَا جَازَ تَرْكُهُ فِي النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَجَازَ أَنْ يَسُدَّ النَّاقِصُ مَسَدَّهُ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَكَانَ حَالُ الْإِمَامِ مِثْلَ حَالِ الْمُقْتَدِي فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ نِهَايَةُ التَّعَبُّدِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ مَقْصُودَانِ، وَقَدْ فَاتَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْمُومِئِ وَلِأَنَّ الْقُعُودَ يُسَمَّى قِيَامًا يُقَالُ لِمَنْ قَعَدَ نَاهِضًا عَنْ نَوْمِهِ قَامَ عَنْ فِرَاشِهِ وَقَامَ عَنْ مَضْجَعِهِ

وَيُقَالُ لِلْمُضْطَجِعِ قُمْ وَاقْرَأْ فَإِذَا نَهَضَ وَقَعَدَ يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ بِالْقِيَامِ بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى سُجُودًا، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فَرْقًا إجْمَالِيًّا وَهُوَ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ وَالسُّجُودِ وَلَا بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ، وَفِي الْحَقَائِقِ الْخِلَافُ فِي قَاعِدٍ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُومِئُ وَالْقَوْمُ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ الِاقْتِدَاءُ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْأَحْدَبِ فَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَلَغَ حَدَبُهُ حَدَّ الرُّكُوعِ وَمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَلَا خِلَافَ فِي الثَّانِي، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوَّلِ فَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ.

وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَعْلَى، وَفِي الْحَدَبِ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَاعِدِ خَلْفَ مِثْلِهِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الِاقْتِدَاءُ بِالْأَعْرَجِ أَوْ مَنْ بِقَدَمِهِ عِوَجٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّازِلِ بِالرَّاكِبِ، وَلَوْ صَلَّوْا عَلَى الدَّابَّةِ بِجَمَاعَةٍ جَازَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ) أَيْ لَا يَفْسُدُ اقْتِدَاءُ مُومِئٍ بِمُومِئٍ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُوَّةِ حَالِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ، وَفِي الشُّرَّاحِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ رَدًّا لِمَا صَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ الْكُلِّ.

(قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) أَيْ لَا يَفْسُدُ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالْقِرَاءَةُ فِي النَّفْلِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ نَفْلًا فِي الْفَرْضِ لَكِنْ إنَّمَا تَكُونُ فَرْضًا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا فَلَا؛ لِأَنَّهَا مَحْظُورَةٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ نَفْلًا فِيهِمَا فِي حَقِّهِ كَإِمَامِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ اقْتِدَاءَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتِلَافًا وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ

ــ

[منحة الخالق]

مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ انْقَطَعَ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ) أَيْ ضَعْفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَصِحُّ عِنْدَهُمَا إمَامَةُ الْقَاعِدِ لِلْقَائِمِ وَالْأَحْدَبُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ فَتَصْحِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّصْحِيحُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ.

فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ مِنْ قَوْلَيْ مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ قَالَ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا فَجَزَمَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.

[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ اخْتِلَافًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْتُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ نَفْيُ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ وَلَمْ يَنْوِ التَّرَاوِيحَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ.

وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَلَى الْقَلْبِ يَجُوزُ اهـ.

نَعَمْ مَا نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِقَاضِي خَانْ صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ.

قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ التَّرَاوِيحِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى كُلِّ شَفْعٍ يُكْرَهُ اهـ.

أَقُولُ: حَيْثُ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمُتَنَفِّلِ بِغَيْرِهَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ يَكُونُ ذَلِكَ تَصْحِيحًا لِعَدَمِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ مُصَلِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>