للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَطِئَ أَمَته الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ الْمَظَاهِرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا فَعَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً مُؤَبَّدَةً فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ.

وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْأَمَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الزِّنَا، وَالثَّابِتَ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ بِهِنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ وَهِيَ مَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْإِثْمُ قَدْ ارْتَفَعَ بِإِسْلَامِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ كَانَ فِي دِيَارِنَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَرْبِيَّ، وَالذِّمِّيَّ وَمَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَطْلَقَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ وَهِيَ مَا إذَا قَذَفَ مُكَاتِبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءِ فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمَكَاتِبَ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِالْأَوْلَى لِمَوْتِهِ عَبْدًا.

(قَوْلُهُ: وَحُدَّ قَاذِفُ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتٌ، وَالْمُرَادُ بِأُمِّهِ مَحْرَمُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مَحْرَمَهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَهُمَا فَاسِدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: وَمُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) أَيْ حُدَّ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ بِطَمَعِهِ فِي أَنْ لَا يُؤْذَى.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَحَدُّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ اتِّفَاقًا إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

[قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ]

(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ فَهُوَ لِكُلِّهِ) أَمَّا الْأَخِيرَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتُمْكِنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فَعَلَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كُلَّهَا بِأَنْ زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدَّهُ مِنْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ إذْ الْأَغْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ وَمِنْ حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ فَلَا يَحْصُلُ بِكُلِّ جِنْسٍ إلَّا مَا قُصِدَ بِشَرْعِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ قَذَفَ مِرَارًا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فَقَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ وَمَا إذَا

ــ

[منحة الخالق]

شُهُودٍ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ شُهْرَةِ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَلِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَحُرْمَةُ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ خَالَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» كَذَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّابِتُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ عِنْدَهُ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِقِيَاسٍ أَوْ احْتِيَاطٍ كَثُبُوتِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِإِقَامَةِ الْمُسَبِّبِ مَقَامَ السَّبَبِ احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِحْصَانُهُ إلَخْ مَا يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ مَا مَرَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ غَيْرَ ثَابِتٍ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ رَأَيْته لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُعْتَقُ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ لَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ مُكَاتَبَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْ حَدُّهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ حَدًّا بِخِلَافِ الرَّجْمِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا الْعَبْدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>