للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْفَتْحِ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ النَّكْسُ قَلْبُ الشَّيْءِ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: ٦٥] اهـ.

فَكَأَنَّهُ دَعَا عَلَى الْمُخَاطَبِ فَلَا تَعْزِيرَ فِيهِ لِعَدَمِ إلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ، وَأَمَّا السُّخْرَةُ بِضَمِّ السِّينِ فَفِي الْمُغْرِبِ السُّخْرِيُّ مِنْ السُّخْرَةِ وَهُوَ مَا يُتَسَخَّرُ أَيْ يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ أَجْرٍ. اهـ.

فَلَا شَيْنَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَدْحٌ، وَأَمَّا الضُّحْكَةُ بِضَمِّ الضَّادِ فَهُوَ الشَّيْءُ يُضْحَكُ مِنْهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُخِفَّ بِهِ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِغَيْرِهِ عُزِّرَ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا سَاحِرُ يَا ضُحْكَةُ يَا مُقَامِرُ لَا يُعَزَّرُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ اهـ.

وَأَمَّا الْكَشْحَانُ فَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَشْحَانُ الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ وَكَشَحَهُ وَكَشَحْته شَتَمْته وَيُقَالُ يَا كَشْحَانُ. اهـ.

فَحِينَئِذٍ هُوَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَالدَّيُّوثِ فَيَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يُعَزَّرُ فِي الْكَشْحَانِ إذْ قِيلَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَالدَّيُّوثِ. اهـ.

فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مُشْكِلٌ لَكِنْ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ كَشَحَ الْقَوْمُ عَنْ الشَّيْءِ إذَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَذَهَبُوا وَكَشَحَ لَهُ بِالْعَدَاوَةِ وَأَضْمَرَهَا فِي كَشْحِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ فِيهِ وَقِيلَ الْكَاشِحُ الْمُتَبَاعِدُ عَنْ مَوَدَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَشَحَ الْقَوْمُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا ذَهَبُوا عَنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ، فَإِنْ صَحَّ مَجِيءُ الْكَشْخَانِ مِنْهُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ فَلِذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا.

وَأَمَّا الْأَبْلَهُ فَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْبَلَهُ الْغَفْلَةُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْبُلْهُ» قِيلَ الْبُلْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الْغَافِلُونَ عَنْ الشَّرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ بَلَهٌ قَالَ الزِّبْرِقَانُ خَيْرُ أَوْلَادِنَا الْأَبْلَهُ الْعَقُولُ أَيْ الَّذِي هُوَ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ كَالْأَبْلَهِ وَهُوَ عَاقِلٌ. اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّهَا صِفَةُ مَدْحٍ وَإِنْ كَانَتْ مَفْضُولَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عِنْدَهُ حِذْقٌ وَعُلِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فَوْقَهُمْ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ» وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْبُلْهُ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ أَهْلُ الْغُرَفِ فَوْقَهُمْ وَقَيَّدَ بِالْأَبْلَهِ احْتِرَازًا عَنْ الْبَلِيدِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ يَا بَلِيدُ يَا قَذِرُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِمَعْصِيَةٍ وَلِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ. اهـ.

وَفِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَضَبَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي الْمُغْرِبِ رَجُلٌ مُوَسْوِسٌ بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ مُلْقًى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدِيثُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ عَنْ الْحَاكِمِ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ نِظَامٍ

(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» فَتَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْصِ عَنْهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَنْقُصُ خَمْسَةٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قِيلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنًى مَعْقُولٌ فَلَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَجِبُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَفِي رِوَايَةٍ يَنْقُصُ سَوْطٌ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْثَرُهُ فِي الْعَبْدِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَفِي الْحُرِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَرُوِيَ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْهَا سَوْطًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ

ــ

[منحة الخالق]

وَمَفْعُولٍ لَفْظٌ عَجَمِيٌّ النُّونُ فِي أَوَّلِهِ لِلنَّفْيِ وَالْكَافُ مِنْهُ مَفْتُوحٌ وَلَفْظُ نَكَسَ بِمَعْنَى الْآدَمِيِّ فَمَعْنَى الْقَذْفِ بِهِ سَلْبُ الْآدَمِيَّةِ عَنْ الْمَقْذُوفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكَشْحَانُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْخَاءِ فَقَالَ الْكَشْخَانُ وَيُكْسَرُ الدَّيُّوثُ وَكَشَّخَهُ تَكْشِيخًا وَكَشْخَنَهُ قَالَ لَهُ يَا كَشْخَانُ. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي تَقْرِيرِ هَذَا الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ.

[أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ]

(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ عَلَى رِوَايَةِ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ الْمَرْوِيَّتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ مُتُونُ الْمَذْهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>