يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كُرِهَ فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُ نَاسٌ، فَإِنْ كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ مُتَأَهِّبِينَ لِلسَّجْدَةِ قَرَأَهَا جَهْرًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفِضَ قِرَاءَتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا لَصَارَ مُوجِبًا عَلَيْهِمْ شَيْئًا رُبَّمَا يَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَائِهِ فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ وَاسْجُدْ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَقْرَأْ وَاقْتَرِبْ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَرْفًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ تَالٍ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِعِبَادِهِ أَرْحَمُ.
(بَابُ الْمُسَافِرِ) أَيْ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّفَرَ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ وَإِلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَاكَ وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الظُّهُورِ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ» عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ حَتَّى سَقَطَ الْأُضْحِيَّةُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَغَيَّرَتْ بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ سُقُوطُ الْأُضْحِيَّةِ وَجَعَلَهُ كَالْقَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إلَّا بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ، وَالْإِضَافَةُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ وَالْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) بَيَانٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْقَصْرُ وَلِشَرْطِ الْقَصْرِ وَمُدَّتُهُ وَحُكْمُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ لِمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّأْلِيفِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ لَا بِذِكْرِ كَلِمَةٍ وَآيَةٍ مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ بَيْنِ الْآيَاتِ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ فَكَمَا لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مُغَيِّرًا لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مُغَيِّرًا لَهُ نَعَمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ لَا يُكْرَهُ وَفِيهِ مَا فِيهِ اهـ. أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ حَتَّى لَا يَرِدَ هَذَا الْأَخِيرُ، هَذَا وَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ تِلْكَ الْآيَاتِ مُتَوَالِيَةً فِي مَجْلِسٍ تَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ وَإِحْدَاثُ تَأْلِيفٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ اهـ.
ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ السَّجَدَاتِ لِمَا بَعْدَ التِّلَاوَةِ أَمَّا لَوْ سَجَدَ عَقِبَ كُلِّ آيَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَاصِلٌ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ إلَى أُخْرَى مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا آيَتَانِ فَأَكْثَرُ، وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ سُورَتَيْنِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِسُورَتَيْنِ يُكْرَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قَالَ فِي النَّهْرَانِ مَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْوَلَاءِ، ثُمَّ سَجَدَ لَهَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَقِبَ قِرَاءَتِهَا وَهَذَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ شَامِلٌ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
ثُمَّ إنَّ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ بِالْإِفْرَادِ لَا السُّوَرِ جَمْعُ سُورَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ الْعَكْسُ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُكْرَهَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ.
[بَابُ صَلَاة الْمُسَافِرِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَيْرًا وَسَطًا) قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَسَطًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا، وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَدَعَاهُ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعْمَلُ فِي ثَلَاثَةٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُرِيدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ وَالْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَلَا سَيْرًا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ لَا يَعْمَلُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَ لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ إنَّ هَذَا التَّكَلُّفَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ