فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فَيَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ الْعَادِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ الْعِلْمُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى شِدَّةِ الْقَتْلِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ بِالسَّوَادِ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَرَحَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَوْتِ وَزَمَانِهِ لَا زَمَانُ الْجُرْحِ، وَمَكَانِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ وَالْجُرْحُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَا قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي. اهـ.
قَوْلُهُ (مَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ، وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبًا وَالشَّهْرُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُعَدُّ بَعِيدًا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ فَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ، وَمَا فَوْقَهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ إلَى بَعِيدٍ، وَلَفْظُ الْعَاجِلِ وَالسَّرِيعِ كَالْقَرِيبِ وَالْآجِلُ كَالْبَعِيدِ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ، وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ فِي الْقَرِيبِ صَحَّتْ، وَكَذَا إلَى آخَرِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ قَرِيبًا فَغَابَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِذَا رَفَعَ إلَيْهِ بَرَّ، وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَصَبَ نَائِبًا عَنْهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَظَرًا لِلْحَالِفِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا أَوْ طَوِيلًا إنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ. اهـ.
وَفِيهَا مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ حَلَفَ لَا يَحْبِسُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَاعَةَ حَلَفَ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْإِعْطَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ طَلَبَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ، وَإِنْ نَوَى الْحَبْسَ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُدَّةِ كَانَ كَمَا نَوَى، وَإِنْ حَاسَبَهُ، وَأَعْطَاهُ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لَهُ لَدَيْهِ، وَأَقَرَّ بِهِ لِذَلِكَ الطَّالِبِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَدْ بَقِيَ لِي عِنْدَك كَذَا وَكَذَا مِنْ قَبْلِ كَذَا، وَكَذَا فَتَذَكَّرَ الْمَطْلُوبَ، وَقَدْ كَانَا جَمِيعًا نَسِيَاهُ لَمْ يَحْنَثْ إنْ أَعْطَاهُ سَاعَةَ تَذَكَّرَ.
[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]
(قَوْلُهُ: لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ، وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا) أَيْ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ وَالنَّبَهْرَجَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ، وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَيُوجَدُ شَرْطُ الْبِرِّ، وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ. وَإِنْ ارْتَفَعَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْقَبْضِ لِتَضَرُّرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا، وَلَا اسْتِيفَاءَ الْجِيدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا الرَّصَاصُ وَالسَّتُّوقَةُ فَلَيْسَ هِيَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالزُّيُوفُ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مَنْ يَرُدُّهُ النَّجَّارُ أَيْضًا وَالسَّتُّوقَةُ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْفِضَّةُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي النَّبَهْرَجَةِ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْضَى مِنْهُمْ وَيَقْبَلُهَا السَّهْلُ مِنْهُمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ مِسْكِينٌ مَعْزِيًّا إلَى الرِّسَالَةِ الْيُوسُفِيَّةِ النَّبَهْرَجَةُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ لَمْ تُؤْخَذْ، وَأَمَّا السَّتُّوقَةُ فَحَرَامٌ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا فُلُوسٌ. اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ لَفْظِ الْقَضَاءِ أَوْ الدَّفْعِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَحَقَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّ بَدَلَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ لَا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ دَفَعَ إلَى مَوْلَاهُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عَتَقَ، وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ بِرَدِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ دَفَعَ السَّتُّوقَةَ وَالرَّصَاصَ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخَرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ بِمَنْزِلَةِ الْجِيَادِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوَّلُهَا رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا بِالْجِيَادِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute