للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ بِتَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ أَوْ التَّفَاخُرِ بِذِكْرِ آبَائِهِمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ تَفْسِيرَ الْجِدَالِ فِي الْآيَةِ لَا الْجِدَالِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَلِهَذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا رَفَثَ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَإِذَا فَسَقَ أَوْ جَادَلَ لَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِلَّا فَلَا فَسَادَ فِي الْكُلِّ.

(قَوْلُهُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) أَيْ فَاتَّقِ إذَا أَحْرَمْت التَّعَرُّضَ لِصَيْدِ الْبَرِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: أُرِيدَ بِالصَّيْدِ هَاهُنَا الْمَصِيدُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ وَحُرْمَةُ قَتْلِهِ ثَابِتَةٌ بِالْقُرْآنِ وَحُرْمَةُ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ.

(قَوْلُهُ وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَالسَّرَاوِيلُ أَعْجَمِيَّةٌ وَالْجَمْعُ سَرَاوِيلَاتٌ مُنْصَرِفٌ فِي أَحَدِ اسْتِعْمَالَيْهِ، وَيُؤَنَّثُ وَالْقَبَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ بِالْفَتْحِ، وَالْوَرْسُ صِبْغٌ أَصْفَرُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْيَمَنِ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُنْفَضُ فَقِيلَ لَا يَفُوحُ، وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْمُرَادُ بِلُبْسِ الْقَبَاءِ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ وَيَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ أَيْ الْمُرْتَفِعُ وَلَمْ يُعَيَّنْ فِي الْحَدِيثِ أَحَدُهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ حَمَلَ الْكَعْبَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَفْصِلِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَطَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ كَشْفًا وَهُوَ قَيِّمًا قُلْنَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ سَرْمُوزِه كَانَ أَوْ مَدَاسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ لُبْسُ الزَّرْدَةِ وَالْبُرْنُسِ، وَخَرَجَ بِاللُّبْسِ الِارْتِدَاءُ بِالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسٍ وَذَكَر الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ ضَابِطَهُ لُبْسِ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ لُبْسِ مِثْلِهِ إلَّا الْمُكَعَّبَ، وَيَدْخُلُ

ــ

[منحة الخالق]

[قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ]

(قَوْلُهُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ مَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَدْ أَحَالَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَمَحِلُّهُ الْجِنَايَاتُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ بَلْ قَالَ وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالدَّلَالَةِ بَلْ بِالْأَمْرِ وَالْإِشَارَةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ دَلَلْتُمْ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذَنْ فَكُلُوا لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّخْرِيجِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا» . اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْتَحَقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا، وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَادَ فِي اللُّبَابِ هُنَا وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِعَانَةِ كَإِعَارَةِ سِكِّينٍ أَوْ مُنَاوَلَةِ رُمْحٍ أَوْ سَوْطٍ اهـ.

[لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ]

(قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْقُفَّازَانِ وَهُمَا مَا يُلْبَسُ فِي الْيَدَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَكَذَا أَيْ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْقُفَّازَيْنِ لِمَا نَقَلَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ وَيَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقُفَّازَيْنِ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ لُبْسِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ لَا تَلْبَسَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ كَذَا ذَكَرُوهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَغْطِيَةِ يَدَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ نَوْعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

وَقَالَ السِّنْدِيُّ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ مِنْ جَوَازِ لُبْسِهِمَا خِلَافُ كَلِمَةِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا جَوَازَ لُبْسِهِمَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ لُبْسَ الْقُفَّازَيْنِ لُبْسٌ لَا تَغْطِيَةٌ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» نَهْيُ نَدْبٍ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ السِّنْدِيِّ فِي مَنْسَكِهِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى بِاللُّبَابِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ تَغْطِيَةُ يَدَيْهِ أَرَادَ بِهِ تَغْطِيَتَهُمَا بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ غَيْرُ اللُّبْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>