دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» .
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَنْظُرُ إلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا) قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا فَيَكُونُ تَحْرِيضًا إلَى النَّظَرِ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ وَإِلَى تَرْكِ النَّظَرِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ عَدَمُ هَذَا الْخَلَلِ لِأَنَّ حَرْفَ " إلَى " بَدَلٌ عَنْ " مِنْ " الِابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي إلَى غَايَتِهَا فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْمَنْطُوقِ فَالتَّقْدِيرُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَكَفَّيْهَا فَقَدْ أَفَادَ مَنْعَ النَّظَرِ مِنْهَا غَيْرَ الْوَجْهِ وَكَفَّيْهَا لَا التَّحْرِيضَ فَتَدَبَّرْهُ وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ لَا الْوَجْهُ كُلُّهُ وَالْكَفُّ فَلَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى فَتَأَمَّلْ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ «الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ وَهُمَا عُضْوَانِ» وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِلْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ إبْدَاءِ الْوَجْهِ لِتُعْرَفَ فَتُطَالَبَ بِالثَّمَنِ وَيُرَدَّ عَلَيْهَا بِالْعَيْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ إبْدَاءِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَدَمَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي إبْدَاءِ الْقَدَمِ فَهُوَ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَعَنْ الثَّانِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ وَهُوَ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ، وَقَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبَ بَيَانِ حَجْمِهَا فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَمَّلَ خَلْفَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ حَجْمُ عِظَامِهَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ لَا يَصِفُ عِظَامَهَا فَالنَّظَرُ إلَى الثَّوْبِ دُونَ عِظَامِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ نَظَرَ إلَى خَيْمَةٍ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَيَّدْنَا بِالنَّظَرِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَا فِي قَاضِي خان وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ وَالرَّقِيقَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ الْمُرَاهِقَ وَالْكَافِرَ كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَفِيهَا وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى شَعْرِ الْكَافِرَةِ اهـ.
[لَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمَ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمَ وَالشَّاهِدَ وَيَنْظُرُ الطَّبِيبُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ إذَا تَيَقَّنَ بِالشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا وَفِي نَظَرِ مَنْ ذَكَرْنَا مَعَ الشَّهْوَةِ ضَرُورَةٌ فَيَجُوزُ وَكَذَا نَظَرُ الْحَاقِنِ وَالْحَاقِنَةِ فَيَجُوزُ وَكَذَا نَظَرُ الْخَاتِنِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُدَاوِيَ مَعَ الْخِتَانِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْبَرَصِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقُبْحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ هَذَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَأَمَّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَشْتَهِي فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى التَّحَمُّلِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا يَشْتَهِي فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَقَدْ تَنَوَّرَ هَذَا إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ الزِّنَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: الشَّاهِدُ مُخَيَّرٌ هُنَا بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ التَّمَلُّكِ وَهُوَ أَفْضَلُ فَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ فَكَيْفَ جَازَ النَّظَرُ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ مُحَقَّقَةٌ فِي النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ بِالنِّسْبَةِ لِإِرَادَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ مُحَقَّقَةً بِالنَّظَرِ إلَى السِّتْرِ فَالْإِبَاحَةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْت: لِمَاذَا جَازَ لِشَاهِدِ الزِّنَا النَّظَرُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَلَوْ اشْتَهَى وَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَازَ قَالُوا: لِأَنَّهُ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي فَإِنْ قِيلَ يُمْكِنُ هُنَا أَيْضًا أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي قُلْنَا لَوْ طُلِبَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي لَفُرِغَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا فَلِهَذَا جَازَ هُنَا وَلَوْ اشْتَهَى فَتَدَبَّرْهُ.
وَالطَّبِيبُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ امْرَأَةٌ طَبِيبَةٌ فَلَوْ وُجِدَتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَتَرَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بِبَصَرِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ اسْتَطَاعَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute