إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ هَذَا الْيَوْمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ عَلَى الْمَحَلِّ دُونَ الْوَقْتِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا بِهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مُلَائِمٌ لَهُ فَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى) لَا يُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ عَقْدٌ فِيهِ نَفْعٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ؛ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجْرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً لَوْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُكْرِيَهَا مَرَّتَيْنِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا اُشْتُرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، إنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَجَّرْتُك بِكَذَا بِأَنْ تَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً بَعْدَ مُضِيِّ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ أَجَّرْتُك عَلَى أَنْ تُكْرِيَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَإِنْ أَطْلَقَ الْكِرَابَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ الْجَدَاوِلِ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الْعَقْدِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَأَمَّا إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرْقِنَهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ السِّرْقِينُ مِنْ عِنْدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَيْنًا هُوَ مَالٌ فَإِنْ كَانَ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعَامِ الثَّانِي لَا يَفْسُدُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يُفَصَّلَ فِيهَا بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَرْضُ لَا يَظْهَرُ رِيعُهَا إلَّا بِالسِّرْقِينِ فَهُوَ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَظْهَرُ رِيعُهَا مِنْ غَيْرِ سَرْقَنَةٍ فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَفْسُدُ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) يَعْنِي لَا يَجُوزُ إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ حِينَ كَتَبَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِ أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحِيرَةُ وَجَالَسْت الْحَيَارَى أَيْ فَكَانَ مِنْك ذِلَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى بِالدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِنَسِيئَةٍ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَاءَ مَا يَكُونُ عَنْ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ فِي الْعَقْدِ وَتَأْخِيرُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُبَادَلَةِ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَإِنَّمَا يَحْدُثَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَا عَلَى عَقْدٍ يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَالْحَقُّ بِهِ دَلَالَةٌ احْتِيَاطًا عَنْ شُبْهَةِ الْحُرْمَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الَّذِي لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ تُقَامُ فِيهِ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَصْحَبُهُ لِفُقْدَانِهَا فِيهِ وَلَزِمَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا حُكْمًا وَعَدَمُ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ النَّسَاءُ، وَفِي الشَّارِحِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ جِنْسِهَا، وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ اهـ.
[اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا لَا يُسْتَحَقُّ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضَرْبُهَا وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَيَسْتَحِقُّ بِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا لَكِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ نَصِيبُ الْأَجْرِ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ الْإِمَامِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا سَكَنَ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute