للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَيَجِبُ إحْجَاجِ الْحُرِّ إلَى آخِرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(بَابُ الْهَدْيِ) .

هُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ الْوَاحِدُ هَدْيَةٌ كَمَا يُقَالُ جَدْيٌ فِي جَدْيَةِ السَّرْجِ وَيُقَالُ هَدْيٌ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى فَعِيلٍ الْوَاحِدَة هَدِيَّةٌ كَمَطِيَّةٍ، وَمَطِيٍّ، وَمَطَايَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: أَدْنَاهُ شَاةٌ، وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَعْلَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ وَالْأَدْنَى الشَّاةُ وَالْبَقَرُ وَسَطٌ، وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] بِالشَّاةِ، وَأَرَادَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بَيَانَ أَنْوَاعِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَالْهَدْيُ لُغَةً وَشَرْعًا وَاحِدٌ لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ تُسَمَّى هَدْيًا مِنْ غَيْرِ إهْدَاءٍ إلَى الْحَرَمِ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْهَدْيِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَجَازٌ ثُمَّ الْوَاحِدُ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا بِجَعْلِهِ صَرِيحًا هَدْيًا أَوْ دَلَالَةً، وَهِيَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِسَوْقِ بَدَنَةٍ إلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْهَدْيِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ فِي الْعُرْفِ يَكُونُ لِلْهَدْيِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَرَادَ بِهِ السَّوْقَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا مُجَرَّدَ السَّوْقِ، وَأَفَادَ بِبَيَانِ الْأَدْنَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرَاقُ دَمُهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ يَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ فَكَذَا مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ شَيْئَيْنِ الْإِرَاقَةَ وَالتَّصَدُّقَ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّصَدُّقِ كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَ الْهَدْيَ أَوْجَبَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ، وَهُنَا النَّاذِرُ مَا أَوْجَبَ إلَّا الْهَدْيَ فَتَعَيَّنَ، وَلَوْ بَعَثَ بِقِيمَتِهِ فَاشْتَرَى بِمَكَّةَ مِثْلَهُ وَذَبَحَهُ جَازَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْ نَذَرَ شَاةً فَأَهْدَى جَزُورًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ لِثُبُوتِ الْإِرَاقَةِ فِي الْبَدَلِ الْأَعْلَى كَالْأَصْلِ.

وَقَالُوا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ، وَهِيَ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ شَيْئًا لَا يُرَاقُ دَمُهُ فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ مَجَازٌ عَنْ التَّصَدُّقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ مَا يُبْطِلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ إنَّمَا يُوجَبُ بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ مَكَّةَ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ تَعَذَّرَ هَذَا الْإِضْمَارُ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) يَعْنِي فَيَجُوزُ الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَذَعُ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْغَنَمِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَجَزَمَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَسِتَّةٍ فِي اللُّغَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمَ الْجُثَّةِ أَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ السَّنَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ، وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَوْ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجًّا ثَانِيًا اهـ.

[بَابُ الْهَدْيِ]

(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِرَانِ وَالْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَكْفِي فِي الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَلَا تَغْفُلْ، وَمَا هُنَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>