للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُصْبُعُ الَّذِي قَطَعَهُ الْأَجْنَبِيُّ قَبْلَ قَطْعِ صَاحِبَيْ الْقِصَاصِ قَائِمًا حُكْمًا، فَإِنْ اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْقِصَاصِ عَلَى قَطْعِ الْكَفِّ مَعَ الْأُصْبُعَيْنِ فَالدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِقَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَالْآخَرِ الْخَمْسَةُ إتْمَامُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ وَلَيْسَ فِي الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ.

فَإِنْ كَانَ فِيهِ أُصْبُعَانِ فَالْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ وَقَالَا يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ الْأُصْبُعِ بِالْكَفِّ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ خَطَأً مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِكُلِّ عُضْوٍ نِصْفُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ رَجُلٌ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ.

[فَصْلٌ الصُّلْحِ]

(فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الصُّلْحِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ أَتْبَعَ الصُّلْحَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْقَاتِلُ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ أَوْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ» بِخِلَافِ حَقِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا التَّعْوِيضُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَلِيلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا رِبًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحُلُولُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، وَهُوَ الْحَالُّ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ صُولِحَ إلَخْ أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْإِطْلَاقُ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ لَا يَنْبَغِي فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ صَالَحَ فِي وَاحِدٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى آخِرِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِنَا فِي وَاحِدٍ يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا أَوْ حَصَلَ الْعَفْوُ وَبِقَوْلِنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا، فَالْعَفْوُ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنَصَّفَ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيُنَصَّفُ مُوجَبُهُ، وَهُوَ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ وَبِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَسَقَطَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَمِنْ ضَرُورِيَّةِ سُقُوطِ حَقِّهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُقَالُ صَالَحَ عَنْ كَذَا وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَلِمَةً مِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ مِنْ نَصِيبِهِ يُوهِمُ تَجَزُّؤَ الْقِصَاصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ قَالَ الشَّارِحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا وَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.

فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا وَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْوِرَاثَةِ خِلَافَهُ، وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِفَاعُ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» الْحَدِيثَ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>