عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الظُّهْرِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الْحَدِيثِ أَيْ كَلَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِيهِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَّا إنْ جَلَسَ لِلْعِبَادَةِ ثُمَّ بَعْدَهَا تَكَلَّمَ فَلَا وَأَمَّا النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَفِي التَّجْنِيسِ الْأَشْبَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا بُنِيَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُصِيبَةِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَهُ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَأْتُونَهُ وَيُعَزُّونَهُ» وَالْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُ غَرِيمَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْقَضَاءِ كَالتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى. اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْفِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالْجِنَايَاتِ وَمَسْأَلَةِ الذَّهَابِ إلَى الْأَقْدَمِ أَوْ إلَى مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ إلَى مَنْ كَانَ إمَامُهُ أَصْلَحَ مَذْكُورَةً فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِتَفَارِيعِهَا.
(قَوْلُهُ لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) أَيْ لَا يُكْرَهُ مَا ذُكِرَ فِي بَيْتٍ فِيهِ أَوْ فَوْقَهُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَسْجِدٌ وَهُوَ مَكَانٌ فِي الْبَيْتِ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَنْ يَتَّخِذَ فِي دَارِهِ مَكَانًا خَالِيًا لِصَلَاتِهِ وَبِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ فَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ فِي مُصَلَّى الْجَنَائِزِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ أَصْلًا وَصَحَّحَ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ كَذَلِكَ إلَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فِي مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَالْعِيدِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْبَانِيَ لَمْ يَعُدَّهُ لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمِنْ حِلِّ دُخُولِهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ.
(قَوْلُهُ وَلَا نَقْشُهُ بِالْجَصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينَ الْمَسَاجِدِ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مِنْ عِمَارَتِهِ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ فَاعِلَهَا بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: ١٨] وَأَصْحَابُنَا قَالُوا بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ لِأَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ مُسَقَّفًا مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَكَانَ يُكَفُّ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ ثُمَّ رَفَعَهُ عُثْمَانُ وَبَنَاهُ وَبَسَطَ فِيهِ الْحَصَى كَمَا هُوَ الْيَوْمُ كَذَلِكَ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي غَيْرِ نَقْشِ الْمِحْرَابِ أَمَّا نَقْشُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَحْكُمُ الْبِنَاءَ دُونَ النَّقْشِ فَلَوْ فَعَلَ ضَمِنَ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَمْوَالُ الْمَسَاجِدِ وَخَافَ الضَّيَاعَ بِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ جَعْلَ الْبَيَاضِ فَوْقَ السَّوَادِ لِلنَّقَاءِ مُوجِبٌ لِضَمَانِ الْمُتَوَلِّي وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَمَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْبَيَاضُ لِقَوْلِهِمْ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنَّهُ يُعَمَّرُ كَمَا كَانَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لِلنَّقَاءِ إذْ لَوْ قَصَدَ بِهِ إحْكَامَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَقَيَّدُوا بِالْمَسْجِدِ إذْ نَقْشُ غَيْرِهِ مُوجِبٌ
ــ
[منحة الخالق]
[أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً]
(قَوْلُهُ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْإِطْلَاقُ أَوْجَهُ.
(قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ كَذَلِكَ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ يَأْخُذُ حُكْمَهَا أَيْ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لِأَعْظَمِ الْجُمُوعِ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِيهَا ضَرُورَةَ الْخَشْيَةِ عَلَى ضَيَاعِهَا وَقَدْ يَجُوزُ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِي بُقْعَةِ الْمَسَاجِدِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَاتَّفَقَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا) أَيْ كَجَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْمَضْمَضَةِ فِيهِ وَمَسْحِ الرِّجْلِ مِنْ الطِّينِ بِحَشِيشِهِ وَالْبُصَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ.
[نَقْشُ الْمَسْجِدِ]
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ لَا بَأْسَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ بِذَلِكَ فَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ. اهـ. لِأَنَّ فِي لَفْظَةِ لَا بَأْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ. اهـ.
قُلْت وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ قُرْبَةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ اهـ.
وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّهُ نَفَى اسْتِحْبَابَ صَرْفِهِ بِمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمِحْرَابِ بَلْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ أَمَامُ مَنْ يُصَلِّي بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ فَقَالَ بِكَرَاهَةِ التَّكَلُّفِ بِدَقَائِقِ