للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ ضَامِنٌ بِمَا حَفَرَ إلَّا أَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا فَيُتْرَكُ كَبِئْرِ زَمْزَمَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِ عُشِّ الْخُفَّاشِ وَالْحَمَامِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ زُرْقِهَا وَقَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ فِيهِ الصَّنَائِعُ لِأَنَّهُ مُخْلَصٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْخَيَّاطِ إذَا جَلَسَ فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ مِنْ دَفْعِ الصِّبْيَانِ وَصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَدُقُّ الثَّوْبَ عِنْدَ طَيِّهِ دَقًّا عَنِيفًا وَاَلَّذِي يُكْتَبُ إنْ كَانَ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يُكْرَهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا إذَا كَتَبَ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ لِأَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ

أَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُكْتِبُونَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ الصِّبْيَانُ وَاللَّغَطُ فَلَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَغَطٌ لِأَنَّهُمْ فِي صِنَاعَةٍ لَا عِبَادَةٍ إذْ هُمْ يَقْصِدُونَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ هُوَ لِلَّهِ بَلْ لِلِارْتِزَاقِ وَمُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ كَالْكَاتِبِ إنْ كَانَ لِأَجْرٍ لَا وَحِسْبَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَيَتَّخِذُهُ طَرِيقًا إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ ثُمَّ إذَا جَازَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ يَعْتَادُ الْمُرُورَ فِي الْجَامِعِ يَأْثَمُ وَيَفْسُقُ وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْمُرُورِ فَلَمَّا تَوَسَّطَهُ نَدِمَ قِيلَ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ غَيْرِ الَّذِي قَصَدَهُ وَقِيلَ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِي الْخُرُوجِ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا يَخْرُجُ مِنْ حَيْثُ دَخَلَ إعْدَامًا لِمَا جَنَى وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ مَكَان فِي الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ

أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً الْمَسْجِدُ الْحَرَامِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَوَامِعُ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْمَحَالِّ ثُمَّ مَسَاجِدُ الشَّوَارِعِ فَإِنَّهَا أَخَفُّ مَرْتَبَةً حَتَّى لَا يَعْتَكِفُ فِيهَا أَحَدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إمَامٌ مَعْلُومٌ وَمُؤَذِّنٌ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهَا إلَّا لِلنِّسَاءِ وَإِذَا قَسَّمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الْمَسْجِدَ وَضَرَبُوا فِيهِ حَائِطًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ إمَامٌ عَلَى حِدَةٍ وَمُؤَذِّنُهُمْ وَاحِدٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مُؤَذِّنٌ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ الْوَاحِدَ مَسْجِدَيْنِ فَلَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَيْنِ وَاحِدًا لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَاتِ أَمَّا لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلتَّذْكِيرِ فَلَا لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لَهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ فِي دُكَّانٍ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ اهـ.

مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَدْبِيرُهُ وَعِمَارَتُهُ وَإِصْلَاحُهُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ فَلِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْجَامِعَ مَسْجِدَيْنِ بِضَرْبِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ نَذْكُرَ أَحْكَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَنَقُولُ هِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ تَحِيَّةِ رَبِّ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَلِكِ فَإِنَّمَا يُحَيِّي الْمَلِكَ لَا بَيْتَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَكْرَهُونَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ تَقْدِيمًا لِعُمُومِ الْحَاظِرِ عَلَى عُمُومِ الْمُبِيحِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ لَهَا فِي الْيَوْمِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَاكِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْحُكْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّاهَا عِنْدَ انْصِرَافِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهَا لِتَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَحُرْمَتِهِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ صَلَّاهَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ التَّحِيَّةِ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي أَوْ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا يُصَلِّي كُلَّمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. اهـ.

قُلْت وَيَشْهَدُ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَإِنَّمَا قُلْنَا بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِالْجُلُوسِ لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلْت الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ وَحْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ فَقُمْ فَارْكَعْهُمَا فَقُمْت فَرَكَعْتُهُمَا» اهـ.

وَقَدْ قَالُوا إنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عِنْدَ دُخُولِهِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ مَعَ الْفَرْضِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>