للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الْآيَةَ ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ كَوْنَ التَّحْرِيمِ لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَبِمِثْلِهَا لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ وَلِأَنَّ تَطْهِيرَهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥] وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْمُنْذِرِيُّ مَرْفُوعًا «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» اهـ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهِيَةِ إخْرَاجِ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فَلِذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَتَعَاهَدَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ عَنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قِيلَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ مُتَنَعِّلًا مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَكْرَهُ خَلْعَ النَّعْلَيْنِ وَيَرَى الصَّلَاةَ مَعَهَا أَفْضَلَ لِحَدِيثِ خَلْعِ النِّعَالِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ زَوْجَانِ مِنْ نَعْلٍ إذَا تَوَضَّأَ انْتَعَلَ بِأَحَدِهِمَا إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَخْلَعُهُ وَيَنْتَعِلُ بِالْآخَرِ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النِّعَالِ وَالْخِفَافِ الطَّاهِرَةِ أَقْرَبُ إلَى حُسْنِ الْأَدَبِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْمَضْمَضَةُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعٌ فِيهِ اُتُّخِذَ لِلْوُضُوءِ وَلَا يُصَلَّى فِيهِ زَادَ فِي التَّجْنِيسِ لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ وَجَدَ الطَّرِيقَ انْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ يَجْلِسُ وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَإِنْ وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَقَعَ الْمَاءُ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ بِحَيْثُ لَا يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ عَلَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا وَيُكْرَهُ مَسْحُ الرَّجُلِ مِنْ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ بِأُسْطُوَانَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَسَحَ بِبُرْدَيْ الْمَسْجِدِ أَوْ بِقِطْعَةِ حَصِيرٍ مُلْقَاةٍ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَيْسَ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلَا لَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَهَكَذَا قَالُوا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَإِنْ مَسَحَ بِتُرَابٍ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مَجْمُوعًا لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ مُنْبَسِطًا يُكْرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْأَرْضِ فَكَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَسَحَ بِخَشَبَةٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْخَشَبَةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَذَا إذَا مَسَحَ بِحَشِيشٍ مُجْتَمِعٍ أَوْ حَصِيرٍ مُخَرَّقٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ إنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلْمَسْجِدِ. اهـ.

وَلِكَوْنِ الْمَسْجِدِ يُصَانُ عَنْ الْقَاذُورَاتِ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً يُكْرَهُ الْبُصَاقُ فِيهِ وَلَا يُلْقَى لَا فَوْقَ الْبَوَارِي وَلَا تَحْتَهَا لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ» وَيَأْخُذُ النُّخَامَةَ بِكُمِّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ كَانَ الْبُصَاقُ فَوْقَ الْبَوَارِي خَيْرًا مِنْ الْبُصَاقِ تَحْتَهَا لِأَنَّ الْبَوَارِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَقِيقَةً وَلَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ

فَإِذَا اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَوَارٍ يَدْفِنُهَا فِي التُّرَابِ وَلَا يَدَعُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَالُوا إذَا نُزِحَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ الْبِئْرِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَبُلَّ بِهِ الطِّينَ فَيُطَيِّنُ بِهِ الْمَسْجِدَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ نَجَاسَةَ الطِّينِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبِيعَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ نَفْعٌ لِلْمَسْجِدِ كَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزٍّ أَوْ أُسْطُوَانِيَّةٌ لَا تَسْتَقِرُّ فَيَغْرِسُ لِيَجْذِبَ عُرُوقَ الْأَشْجَارِ ذَلِكَ النَّزُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا جَوَّزَ مَشَايِخُنَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِبُخَارَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ قَالُوا وَلَا يُتَّخَذُ فِي الْمَسْجِدِ بِئْرُ مَاءِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَإِنْ حَفَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزٍّ) أَيْ صَاحِبَ نَزٍّ بِالنُّونِ وَالزَّايِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ النَّزُّ وَالنِّزُّ مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ نَزَّتْ الْأَرْضُ صَارَتْ ذَاتَ نَزٍّ وَفِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ الْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا إبْقَاؤُهُ فِيهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْعُذْرِ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِغْلَالَ لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَجْوِيزِ إحْدَاثِ دُكَّانٍ فِيهِ أَوْ بَيْتٍ لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ تَجْوِيزِ إبْقَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ إحْدَاثِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ لِأَجْلِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَاعْتِكَافٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ أَلَّفَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَرَأَيْت فِي آخِرِهَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>